الأربعاء، 21 فبراير 2018

24.الصلوات الخمس ......... 2 كتاب الصلاة

حكم تارك الصلاة: تارك الصلاة له حالتان: إما تركها جاحدًا لفرضيَّتها منكرًا لوجوبها، وإما أن يتركها تهاونًا وكسلاً وهو مُقرٌّ بوجوبها عليه:

[1] تارك الصلاة جحودًا([1]): من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة، فهو كافر مرتدٌّ بإجماع المسلمين.
ويستتيبه الإمام، فإن تاب وإلا قتله بالردَّة، ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين، هذا إذا كان قد نشأ بين المسلمين، فأما إن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها، فلا يُكفَّر بمجرد الجحد، بل نعرفه بوجوبها، فإن جحد بعد ذلك كان مرتدًّا.
[2] تارك الصلاة تكاسلاً وتهاونًا من غير جحدها:
لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا [من غير عذر شرعي] من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة([2]).
ثم اختلف أهل العلم في حكمه على قولين:
الأول: أنه فاسق عاصٍ مرتكب لكبيرة، وليس بكافر: وبه قال الأكثرون، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي في المشهور عنه- وأحمد في إحدى الروايتين([3]).
الثاني: أنه كافر خارج عن ملة الإسلام: وهو مذهب سعيد بن جبير والشعبي والنخعي والأوزاعي وابن المبارك وإسحاق وأصح الروايتين عن أحمد، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي، وحكاه ابن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة([4]).
من أدلة الفريقين:
[1] المانعون من تكفيره: قالوا: قد ثبت له حكم الإسلام بالدخول فيه، فلا نخرجه عنه إلا بيقين، ثم استدلوا على عدم خروجه بما يلي:
(1) الأدلة التي تفيد أن الله تعالى يغفر جميع الذنوب عدا الشرك:
1- كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}([5]). قالوا: فتارك الصلاة داخل تحت المشيئة فليس بكافر.
وأجاب المكفِّرون: بأن الآية لا تنافي كفر تارك الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([6]) فيكون تارك الصلاة داخلاً في عموم الآية من جهة الدلالة على أن ذلك مما لا يغفره الله تعالى، لأنه مشرك بنص الحديث. ولو فرض أن الثابت له وصف الكفر دون الشرك وأن الآية إنما أفادت مغفرة ما دون الشرك، فإنه ليس فيها دلالة على أن الله لا يغفر الكفر الذي ليس من الشرك، بل يكون غاية ما فيها أن الله يغفر ما دون الشرك، وأما ما سوى الشرك مما هو كفر (كتكذيب الله ورسوله أو سبِّهما) فليس في الآية نص على غفرانه، بل ذلك مناقض لصريح الكتاب والسنة، فعلى كلا التقديرين لا وجه للاستدلال بالآية([7]).
(ب) الأدلة التي تفيد أن من قال: (لا إله إلا الله) دخل الجنة ولم يشترط الصلاة، ومن ذلك:
2- حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله إلا حرَّمه الله على النار»([8]).
3- حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»([9]).
4- حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة»([10]).
5- حديث عتبان بن مالك وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله»([11]) قالوا: فلم يشترط الصلاة لنجاته من النار ودخوله الجنة.
وأجاب المكفرِّون: بأن هذه النصوص وما في معناها على قسمين: إما عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة، وإما مطلق مقيدة بما لا يمكن معه ترك الصلاة كما هو واضح في قوله صلى الله عليه وسلم: «... يبتغي بذلك وجه الله»، «صدقًا من قلبه» ونحوها، فتقيد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب، يمنعه من ترك الصلاة، لأن إخلاصه وصدقه يحملانه على الصلاة ولابد([12]).
(جـ) أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط([13]):
6- ففي حديث أبي سعيد في الشفاعة، وبعد ذكر شفاعة المؤمنين لإخوانهم إخراجهم من النار: «... فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير!! قال: ثم يقول الله: شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين، قال: فيقبض قبضة من النار ناسًا لم يعملوا الله خيرًا قط، قد احترقوا حتى صاروا حممًا، قال: فيؤتى بهم إلى ماء يقال لها (الحياة) فُيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل... » الحديث([14]).
وأجاب المكفِّرون: بأن الصلاة ليست داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لم يعملوا خيرًا قط» وكيف يتصور دخول تارك الصلاة في زمرة هؤلاء، وقد هلك مع الهالكين {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}([15]). ثم إن الأخبار الصحيحة قد دلت على أن كل من يخرج من النار من الموحدين إنما يُستدل عليه بعلامة آثار السجود، ففي حديث أبي هريرة مرفوعًا «... حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج [برحمته] من النار من أراد أن يُخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرَّم الله على الناس أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا فيُصيب عليهم ماء يقال له ماء الحياة... ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار... فيصرف وجهه عن النار» قال أبو هريرة: وذلك آخر أهل الجنة دخولاً([16]).
قالوا: والحديث ظاهر في أن من يخرجهم الله تعالى برحمته، إنما يعرفهم الملائكة بآثار السجود فهم مصلُّون بلا شك، وأما قول المؤمنين في حديث أبي سعيد- «فلم يبق في النار أحد» فهذا باعتبار علمهم بالدليل أن الله قال لهم كما في حديث أبي سعيد-: «فأخرجوا من عرفتم منهم» وإلا ففي النار من المصلين من هذه الأمة ومن الأمم السابقة وقد كانوا مطالبين بالصلاة- من لم يعلمهم إلا الله، فأخرجهم برحمته، وأما غير المصلين فلا يخرجون منها([17]).
(د) أدلة مفهومها أن ترك الصلاة لا يخرج من الملة، ومنها:
7- حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات افترضهن الله على عباده، فمن لقيه بهن لم يضيع منهن شيئًا لقيه وله عنده عهد يدخله به الجنة، ومن لقيه بهن وقد انتقص منهن شيئًا استخفافًا بحقهن لقيه ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له»([18]).
قالوا: فهو يدل على أن تارك بعض الصلوات ليس بكافر لدخوله تحت المشيئة.
وأجاب المكفِّرون: بأن الحديث لا يصح حمله على ترك بعض الصلوات، فإنه أثبت الإتيان بالصلوات الخمس مع الانتقاص من واجباتها، ففيه «ومن لقيه بهنَّ وقد انتقص منهن شيئًا... ».
8- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يحاسب به الناس من أعمالهم الصلاة، فيقول ربنا للملائكة وهو أعلم-: انظروا عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان قد انتقص منها شيئًا، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم»([19]) قالوا: نقص الفرائض يكمل من التطوع، وهذا النقص يشمل النقص في الفريضة نفسها ويشمل النقص في عدد الفرائض.
وأجاب المكفِّرون: بأن الحديث لا يصح مرفوعًا، وله طرق ضعيفة وفي أقواها: «فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» وقوله (صلحت) يعني أنها مكتملة الأركان صحيحة، فلا يصح حمل قوله «وإن كان قد انتقص منها شيئًا» على ترك الأركان والشروط، فوجب حمل الانتقاص على ترك ما دون ذلك، فلا يَسْلم الاستدلال به.
9- حديث عائشة مرفوعًا: «الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وديوان لا يترك الله منه شيئًا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئًا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها، فإن الله تعالى يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء... الحديث»([20]).
وأجاب المكفِّرون: بأن الحديث بزيادة (من صوم يوم تركه أو صلاة) ضعيف (!!).
10- حديث نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم «أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه»([21]) قالوا: قد قبل النبي صلى الله عليه وسلم من الرجل الإسلام مع علمه بأنه لن يصلي إلا صلاتين فقط من الخمس؟!
وأجاب المكفِّرون: بأنه ليس في الحديث أن الصلوات كانت إذ ذاك خمسًا (!!).
والظاهر أن هذا كان في الوقت الذي كان الفرض فيه صلاتين وقبل فرض الخمس، أو أن يكون هذا من باب قبول إسلام الرجل مع الشرط الفاسد وهذا مذهب أحمد- وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فليس ذلك لأحد بعده.
(هـ) حملوا الأحاديث المصرِّحة بكفر تارك الصلاة على الأصغر:
11- قالوا: كما حملنا الكفر في كثير من النصوص على الكفر الذي لا يخرج من الملة كحديث:
«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» و«اثنتان بالناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت» والأحاديث التي فيها «ليس منا من فعل كذا... » فكذلك هنا.
وأجاب المكفِّرون: هذا لا يصح هنا لأمور([22]):
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة حدًّا فاصلاً بين الكفر والإيمان وبين المؤمنين والكفار، والحد يميز المحدود ويخرجه عن غيره، فالمحدودان متغايران لا يدخل أحدهما في الآخر.
الثاني: أن الصلاة ركن من أركان الإسلام فوصف تاركها بالكفر يقتضي الخروج من الملة، لأنه هدم ركنًا، بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلاً من أفعال الكفر.
الثالث: أن هناك نصوصًا أخرى دلت على كفر تارك الصلاة كفرًا مخرجًا من الملة فيجب حمل الكفر على ما دلت لتتلائم النصوص وتتفق.
الرابع: أن الكفر في الأحاديث التي ساقوها جاء (نكرة) أو بلفظ الفعل فيدل على أنه من الكفر أو أنه كفر في هذه الفعلة، فلا يخرج من الملة بخلاف التعبير في ترك الصلاة فإنه عبَّر بـ(ال) الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر.
(و) 12- حملوا أحاديث كفر تارك الصلاة على من تركها جحودًا:
وأجاب المكفرِّون: أن في هذا الحمل محذورين: الأول: إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع وعلق الحكم به وهو الترك لا الجحود، والثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطًا للحكم، فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه، سواء صلى أم ترك، فتبين أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها غير صحيح([23]).
(ز) (13) قالوا: إننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدًا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ولا منع ميراثه ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة ولو كان كافرًا لثبتت هذه الأحكام([24]).
[2] القائلون بكفر تارك الصلاة، ومنها:
1- حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([25]).
2- حديث بريدة بن الحصيب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»([26]).
وأجاب المانعون من تكفيره: بما تقدم من حملها على من جحد فرضيتها أو حملها على أن المراد الكفر الذي لا يخرج من الملة.
3- ما رُوي عن أنس مرفوعًا: «من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر جهارًا»([27]).
وأجاب المانعون: بأنه ضعيف لا يحتج به، ولو صح فالقول فيه كالقول فيما قبله.
4- حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منها فهو كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان»([28]) وأجاب المانعون بأنه ضعيف مرفوعًا، فلا يكون فيه حجة، ولو صح فيحمل الكفر فيه على غير المخرج من الملة، ويحمل قوله (حلال الدم) على أنه يقتل حدًّ لا كفرًا.
(ب) أدلة دلَّ مفهومها على كفر تارك الصلاة، ومن ذلك:
5- قول الله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}([29]).
قالوا: فاشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين: أن يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا انتفى أحد هذه الشروط انتفت الأخوة، والأخوة لا تنتفي بالفسوق ولا بالكفر الذي هو دون الكفر وإنما بالخروج من الملة.
وأجاب المانعون: بأن الأدلة التي ساقوها في إثبات أن تارك الصلاة ليس بكافر مقدمة على الآية فتحمل على كمال الأخوة لا على أصل الأخوة، كما أخرجنا مانع الزكاة من الكفر بحديث «... ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»([30]) وهذا بعد ذكر عقوبة مانع الزكاة.
6- قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ... إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً}([31]). قالوا: فقوله (إلا من تاب وآمن) دليل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات لم يكونوا مؤمنين.
وأجاب المانعون: بأن قوله تعالى (وآمن) إما المراد به: داوم على إيمانه، أو المراد: دخل في الإيمان الكامل بشروعه في الصلاة.
7- قوله تعالى في أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ... الْيَقِينُ}([32]). قالوا: فإما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين، فالدلالة ظاهرة، وإما أن يكون مجموعها، فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلا فكل واحد منها مقتضٍ لعقوبة إذ لا يجوز أن يُضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها.
وأجاب المانعون: بأن الآية فيها أنهم دخلوا النار وليس فيها مدة إقامتهم أو خلودهم فيها فلا تكون حجة، لكن تبقى الحجة في جعل تارك الصلاة من المجرمين، والمجرمون في كتاب الله الكفار، فنحمله على الإجرام غير المخرج من الملة (!!) ويعكِّر على هذا الحمل أن الله تعالى قد جعل المسلمين مقابلين للمجرمين {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}([33]). فلا يصح أن يكون المعنى: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ» وهذا واضح.
8- قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا»([34]).
9- حديث محجن بن الأدرع الأسلمي: أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع، ومحجن في مجلسه، فقال له: «ما يمنعك أن تصلي، ألست برجل مسلم؟» قال: بلى، ولكني صليت في أهلي، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جئت فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت»([35]).
10- حديث معاذ مرفوعًا: «من ترك صلاة مكتوبة متعمدًا، فقد برئت منه ذمة الله»([36]).
قالوا: ولو كان باقيًا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام.
وأجاب المانعون عن هذه الأحاديث وما في معناها: بأنه بعد ثبوت ما دلَّ على أنه غير خارج من الملة تكون محمولة على كمال الإسلام لا أصله، جمعًا بين الأدلة (!!).
(جـ) الأدلة التي تفيد إباحة دم من لا يصلي، ومنها:
11- حديث أبي سعيد في قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله- وفيه: «فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: «لا، لعله أن يكون يصلي... »([37]) قالوا: فجعل الصلاة مانعًا من قتله لما هَمَّ الصحابة بقتله لما رأوا فيه من احتمال كفره.
وأجاب المانعون: بأنه يحتمل أن يكون إباحة قتل تارك الصلاة حدًّا لا لأجل الكفر!!
وأجيبوا بأن من يقتل حدًّا بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([38]) وليس تارك الصلاة بزان ولا قاتل لنفس فبقي أنه تارك لدينه، ولهذا ليس كل من قال إن تارك الصلاة لا يَكفر، قال إنه يقتل، كما سيأتي.
(د) الأدلة التي تفيد المنع من منابذة ولاة الأمر إلا إذا لم يقيموا الصلاة، ومنها:
12- حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع» فقالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»([39]) قالوا: وقد ثبت أنه لا يباح قتالهم إلا إذا كفروا كفرًا ظاهرًا بواحًا، كما في حديث عبادة في ذكر مبايعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان»([40]) فعُلم أن ترك الصلاة من الكفر الأكبر البواح.
(هـ) أن كفر تارك الصلاة هو قول جمهور الصحابة بل حكى غير واحد إجماعهم عليه:
13- قال عبد الله بن شقيق: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»([41]).
وقال عمر بن الخطاب: «نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة»([42]).
وقال ابن مسعود: «من لم يصلِّ فلا دين له»([43]).
وقال أبو الدرداء: «لا إيمان لمن لا صلاة له»([44]).
وأجاب المانعون: بأن قول جمهور الصحابة ليس بحجة ما لم ينعقد إجماعهم عليه والإجماع غير مسلَّم، لأن ابن حزم إنما نقل هذا القول عن عمر بن الخطاب ومعاذ وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم، وقوله بعد ذلك: لا نعلم لهؤلاء مخالفًا من الصحابة لا يدل على عدم وجود المخال!!



([1]) «المجموع» (3/ 16) بتصرف يسير، وانظر المراجع المشار إليها في المسألة الآتية.
([2]) «الصلاة وحكم تاركها» لابن القيم (ص: 6) والزيادة بين القوسين مني ولا يخفى أهميتها.
([3]) «حاشية ابن عابدين» (1/ 235)، و«الفتاوى الهندية» (1/ 50)، و«حاشية الدسوقي» (1/ 189)، و«مواهب الجليل» (1/ 420)، و«مغنى المحتاج» (1/ 327)، و«المجموع» (3/ 16 وما بعدها)، وانظر «إعلام الأمة» للشيخ عطاء بن عبد اللطيف حفظه الله.
([4]) «مقدمات ابن رشد» (1/ 64)، «والمقنع» (1/ 307)، و«الإنصاف» (1/ 402)، و«مجموع الفتاوى» (22/ 48)، و«الصلاة» لابن القيم، و«حكم تارك الصلاة» للشيخ ممدوح جابر حفظه الله.
([5]) سورة النساء، الآية: 48.
([6]) صحيح: سبق تخريجه قريبًا.
([7]) «ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة» للقرني (ص: 158) بتصرف يسير.
([8]) صحيح: أخرجه البخاري (128)، ومسلم (32) واللفظ له وعند البخاري «.. صدقًا من قلبه.. ».
([9]) صحيح: أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28).
([10]) صحيح: أخرجه أبو داود (3116).
([11]) صحيح: أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33).
([12]) «حكم تارك الصلاة» للعلامة بن عثيمين، رحمه الله.
([13]) «حكم تارك الصلاة» للعلامة الألباني، رحمه الله (ص: 36).
([14]) صحيح: أخرجه البخاري (6560)، ومسلم (183).
([15]) سورة القلم، الآيتان: 42، 43.
([16]) صحيح: أخرجه البخاري (6573- 7437)، ومسلم (182).
([17]) من مقدمة الشيخ محمد عبد المقصود –أمتع الله بحياته- على رسالة ممدوح (ص: 38 وما بعدها) بتصرف.
([18]) ضعيف على الراجح: انظر «تعظيم قدر الصلاة» (1029 بتحقيقي) فقد استقصيت طرقه ورجَّحت ضعفه، وقد صححه الألباني رحمه الله تعالى.
([19]) ضعيف مرفوعًا: وله طرق استقصيتها في «تعظيم قدر الصلاة» (182- بتحقيقي) وقد صح موقوفًا على تميم الداري.
([20]) ضعيف: أخرجه أحمد (6/ 240)، وانظر «ضعيف الجامع» (3022) وقد حسن الألباني نحوه لكن ليس فيه ذكر الصلاة، فلا فائدة، وانظر «الصحيحة» (1927).
([21]) صحيح: أخرجه أحمد (5/ 363).
([22]) «حكم تارك الصلاة» لابن عثيمين (ص: 14- مع رسالة الشيخ ممدوح) بتصرف يسير.
([23]) «رسالة ابن عثيمين» (ص: 12- مع السابق).
([24]) «المغنى» (2/ 446) وقد رجَّح في المذهب عدم تكفيره.
([25]) صحيح: سبق تخريجه.
([26]) صحيح: سبق تخريجه.
([27]) ضعيف: أخرجه الطبراني في «الأوسط»، وانظر «ضعيف الجامع» (5530).
([28]) ضعيف: أخرجه أبو يعلى، وانظر «الضعيفة» (94).
([29]) سورة التوبة، الآية: 11.
([30]) صحيح: يأتي بتمامه في أول «الزكاة».
([31]) سورة مريم، الآيتان: 59، 60.
([32]) سورة المدثر، الآيات: 42- 47.
([33]) سورة القلم، الآية: 35.
([34]) صحيح: أخرجه البخاري (391)، والترمذي (2608)، والنسائي (3966) بنحوه.
([35]) ضعيف: أخرجه النسائي (857)، وأحمد (15800)، والبيهقي (2/ 300) وفيه بُسر بن محجن: مجهول على الأرجح.
([36]) ضعيف: وانظر «تعظيم قدر الصلاة» (921) بتحقيقي، ط. العلم.
([37]) صحيح: أخرجه البخاري (4351)، ومسلم (1064).
([38]) صحيح: أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676).
([39]) صحيح: أخرجه مسلم (1854)، والترمذي (2266)، وأبو داود (4760).
([40]) صحيح: أخرجه البخاري (7055)، ومسلم (1709).
([41]) إسناده صحيح: وقد تقدم.
([42]) إسناده صحيح: وانظر «تعظيم قدر الصلاة» (923- 931) بتحقيقي.
([43]) في سنده لين: وانظر «تعظيم قدر الصلاة» (935- 937) بتحقيقي.
([44]) إسناده حسن: وانظر «تعظيم قدر الصلاة» (945) بتحقيقي. 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق