الأربعاء، 21 فبراير 2018

26. على من تجب الصلاة؟ .... 2 باب الصلاة



1- فأمل العقل: فهو شرط لوجوب الصلاة على المرء، فلا تجب على المجنون إجماعًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر (وفي رواية: يحتلم) وعن المجنون حتى يعقل»([1]).
واختلف العلماء فيمن تغطىَّ عقله بمرض أو إغماء أو دواء مباح، والصحيح أن المغمى عليه ونحوه ممن زال عقله لا يعقل ولا يفهم، فالخطاب عنه مرتفع، وإذا كان غير مخاطب في وقتها، فلا يجب عليه أداؤها في غير وقتها، فإن أفاق وعقل في وقت يدرك فيه بعد الطهارة- الدخول في الصلاة لزمه أداؤها.
وأما من سكر أو نام عن الصلاة أو نسيها حتى خرج وقتها، فهؤلاء خاصة- يجب أن يصلوُّا ما فاتهم، للنص:
قال الله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}([2]). فلم يبح الله تعالى للسكران أن يصلي حتى يعلم ما يقول، فإن أفاق صلاها.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحكم صلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها([3]).
بهذا قال المالكية والشافعية [إلا أنهم فرقوا بين السكر المتعدِّي به والسكر بلا تعدٍّ!!] وبه قال ابن حزم([4]) واختار العلامة ابن عثيمين رحمه الله- أنه إن زال عقله بفعله واختياره بتناول البنج أو الدواء المخدر فعليه القضاء، وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه.
2- وأما البلوغ: فهو شرط لوجوب الصلاة بلا خلاف، فلا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ، للأدلة الدالة على رفع قلم التكليف عن الصبي، وقد تقدم الحديث فيه.
تعليم الصبي الصلاة وأمره بها:
الصبي وإن كان لا تجب عليه الصلاة، إلا أنه يجب على وليِّه أن يأمره بها إذا بلغ سبع سنين، ويضربه عليها تأديبًا له- إذا بلغ عشرًا ليعتادها إذا بلغ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة ابن سبع سنين، واضربوا عليها ابن عشر»([5]) وهذا مذهب الجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة، أما المالكية فحملوا الأمر في هذا الحديث على الندب والاستحباب([6])، وهذا لو صح لهم في قوله (مروهم) لم يصح لهم في قوله (واضربوهم) لأن الضرب إيلام الغير وهو لا يباح للأمر المندوب.
والظاهر أنهم استشكلوا أمر الصبي بالصلاة وضربه عليها وهو غير مكلف؟!!
والجواب: أن ذلك إنما يلزم لو اتحد المحل وهو هنا مختلف، فإن محلَّ الوجوب الولي وهو مكلف- ومحل عدمه ابن العشر، ولا يلزم من عدم الوجوب على الصغير عدمه على الولي، فيجب على الولي ضربه عليها([7])، لكن الصبي لا يأثم بترك الصلاة والله أعلم.
تنبيه: جعل بعض الفقهاء الإسلام شرطًا لإيجاب الصلاة على المرء، قالوا: فلا تجب على الكافر الأصلي، قالوا: فلهذا لا يؤمر الكافر إذا أسلم بقضائها. وعدم إيجابها على الكافر مخالف لما صحَّ في الأصول أن الكفَّار مخاطبون بفروع الشريعة، فهي واجبة عليهم وهم معاقبون على تركها في الآخرة([8]).
على أن الشافعية والحنابلة([9]) قد صرَّحوا بأن الصلاة لا تجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة بها في الدنيا لعدم صحتها منه، لكن يعاقب على تركها في الآخرة زيادة على كفره، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
فعلى هذا يكون الخلاف معهم لفظيًّا، فالصلاة واجبة على الكافر لكنها لا تصح منه، فكان الإسلام شرط صحة لا شرط وجوب، والله أعلم.
قلت: وأما كون الكافر لا يؤمر بقضائها إذا أسلم فللنص وسيأتي- ولأنه لم يعتقد وجوبها ولأنه تعمد إخراج الصلاة عن وقتها وقد وجبت عليه- بغير عذر فلا يقدر على قضائها كما سيأتي تحقيق هذا.



([1]) صحيح أخرجه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (2041) وغيرهم.
([2]) سورة النساء، الآية: 43.
([3]) صحيح: أخرجه مسلم (684).
([4]) «حاشية الدسوقي» (1/ 184)، و«مغنى المحتاج» (1/ 131)، و«المحلى» (2/ 233- 234)، و«الممتع» (2/ 18).
([5]) صحيح لغيره: أخرجه أبو داود (494)، و«الترمذي» (407) عن سبرة بن معبد وله شاهد عن عبد الله عمرو.
([6]) «حاشية ابن عابدين» (1/ 234)، و«الدسوقي» (1/ 186)، و«مغنى المحتاج» (1/ 131)، و«كشاف القناع» (1/ 225).
([7]) «نيل الأوطار» (1/ 369- 370) بتصرف وانظر «السيل الجرار» (1/ 156).
([8]) «السيل الجرار» (1/ 155).
([9]) «مغنى المحتاج» (1/ 130)، و«كشاف القناع» (1/ 222). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق