الأربعاء، 21 فبراير 2018

31. الأوقات المنهي عن الصلاة فيه .... 2 باب الصلاة

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
1، 2- صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس قيد رمح، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس:
فقد ثبت النهي عن صلاة التطوع في هذين الوقتين، والأصل في هذا:

(أ) حديث ابن عباس قال: «شهد عندي رجال مرضيون –وأرضاهم عند عمر رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس»([1]).
(ب) حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس»([2]).
3- وقت الزوال (عند قائم الظهيرة):
لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيَّف([3]) الشمس للغروب حتى تغرب»([4]).
علة النهي:
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم علة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات بقوله لعمرو بن عبسة: «صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تُسجَّر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار»([5]).
ما يستثنى من النهي:
[1] عند الظهيرة يوم الجمعة: فإنه يستحب للمرء التنفل مطلقًا قبل صلاة الجمعة حتى يخرج الإمام، فإذا خرج امتنع من صلاة التطوع، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، فيتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهن، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام –إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»([6]).
وبهذا قال الشافعي –رحمه الله- مستدلاًّ بهذا الحديث وبحديث أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس، إلا يوم الجمعة»([7]) لكنه ضعيف ويغني عنه ما ذكرت ولله الحمد.
وللعلماء قولان آخران: الأول: أنه لا يكره الصلاة نصف النهار مطلقًا في الجمعة وغيرها على سواء، وهو مذهب مالك، وحجته عمل أهل المدينة، وهو مردود بالأحاديث المتقدمة.
والثاني: أنه يكره الصلاة نصف النهار مطلقًا في الجمعة وغيرها، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد.
ومذهب الشافعي أرجح، وهو اختيار شيخ الإسلام([8]).
[2] صلاة ركعتي الطواف بالبيت الحرام:
فلا مانع من إيقاع ركعتي الطواف في أوقات النهي المتقدمة لما يأتي:
(أ) حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف، لا تمنعواأحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى في أي ساعة شاء من الليل أو النهار»([9]).
(ب) أنه فعله ابن عباس والحسن والحسين وبعض السلف.
(جـ) أن ركعتي الطواف تابعتان له، فإذا أبيح المتبوع ينبغي أن يباح التبع.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وهو مروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء وطاوس وأبي ثور([10]).
[3] قضاء الفوائت في أوقات النهي:
وقد اختلف أهل العلم في حكم قضاء الفائتة في أوقات النهي على قولين:
الأول: لا يجوز في أوقات النهي: وهو مذهب أبي حنيفة وأصحاب الرأي([11]) وحجتهم:
1- «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس أخرَّها حتى ابيضت الشمس»([12]).
2- أنها صلاة، فلم تجوز في هذه الأوقات كالنوافل.
3- ما رُوي عن أبي بكرة رضي الله عنه «أنه نام في دالية، فاستيقظ عند غروب الشمس، فانتظر حتى غابت الشمس ثم صلاها»([13]).
4- ما رُوي عن كعب بن عجرة: «أن ابنه نام حتى طلع قرن الشمس فأجلسه، فلما أن تعالت الشمس قال له: صلِّ الآن»([14]).
الثاني: يجوز قضاء الفوائت في أوقات النهي وغيرها: وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور الصحابة والتابعين([15])، وحجتهم:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك»([16]).
2- حديث أبي قتادة مرفوعًا: «إنما التفريط في اليقظة على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها»([17]).
ففيهما الأمر بالصلاة حين ذكرها أو الاستيقاظ لها من غير استثناء لأوقات النهي.
قلت: وهذا هو الراجح، وأما تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حتى ابيضَّت الشمس فهم لم يوقظهم إلا حر الشمس أصلاً، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم بيَّن أن العلة أنه «مكان حضر فيه الشيطان» فجعل المانع من الصلاة المكان لا الزمان، والله أعلم.
[4] قضاء السنن الرواتب في أوقات النهي:
يجوز قضاء السنن الرواتب ولو في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لما يأتي:
(أ) حديث أم سلمة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال: «يا بنت أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، فإنه أتاني أناس من بني عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان»([18]).
(ب) ما روي عن قيس بن عمرو قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر، فقال: «ما هاتان الركعتان يا قيس؟» قلت: يا رسول الله، لم أكن صليت ركعتي الفجر، قال: «فسكت عنه»([19]) وفي رواية «فلم ينكر ذلك عليه».
(جـ) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها... » وهذا مذهب مالك والشافعي([20]).
[5] الصلاة على الجنازة بعد الصبح والعصر:
أجمع العلماء على جواز الصلاة على الجنازة بعد صلاة الصبح والعصر([21]).
ثم اختلفوا في إيقاعها في الأوقات المذكورة في حديث عقبة بن عامر: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وعند قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب، على قولين:
الأول: لا تجوز صلاة الجنازة في هذه الأوقات الثلاثة: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم([22])، لحديث عقبة بن عامر قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا... فذكرها»([23]).
الثاني: يجوز صلاة الجنازة في جميع أوقات النهي: وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد([24]) وحجة الشافعي أنها صلا ذات سبب فتستثنى من النهي.
قلت: الأظهر أنها لا تجوز في هذه الأوقات الثلاثة لأجل النص، لأن فيه مع النهي عن الصلاة، النهي عن الدفن فيها فيتناول النهي عن الصلاة على الجنازة فيها، فيمنع استثناءها من النهي، ثم إن هذه الأوقات الثلاثة قصيرة وليس في الانتظار حتى تفوت ما يخشى منه والله أعلم.
[6] الصلوات التي لها سبب: كتحية المسجد، وسنة الوضوء، وصلاة الكسوف ونحوها فهذه اختلف فيها العلماء على قولين:
الأول: لا تجوز في أوقات النهي: وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد([25]).
الثاني: يجوز، وهو مذهب الشافعي([26]) والرواية الثانية عن أحمد، وحجتهم:
1- أنه ثبت جواز ركعتي الطواف في كل وقت، وقد تقدم.
2- ثبت جواز الصلاة عقيب الوضوء في أي وقت، كما في حديث بلال وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم له: أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام.... فقال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي»([27]).
3- قوله صلى الله عليه وسلم في الكسوف: «فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة»([28]).
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»([29]).
5- ثبوت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر كما تقدم.
6- الإجماع على جواز الصلاة على الجنازة بعد الصبح والعصر.
قالوا: فهذه كلها صلوات ذوات سبب وجاز فعلها مطلقًا، فتستثنى من النهي.
قلت: ويُستدل لهذا المذهب كذلك بما يلي:
7- حديث أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا ذر، كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة (أو قال: يؤخرون الصلاة عن وقتها» قلت: فبما تأمرني؟ قال: «صلِّ الصلاة لوقتها، فإذا أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة»([30]).
وفي حديث ابن مسعود موقوفًا: «ستكون أمراء يسيئون الصلاة يخنقونها إلى شَرَق الموتى، (يعني: إلى آخر النهار)... » ([31]) وذكر نحو حديث أبي ذر، فأجاز النافلة في وقت الكراهة للسبب المذكور.
8- حديث يزيد بن الأسود قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّته، فصليتُ معه صلاة الصبح في مسجد الخيف من منى، فلما قضى صلاته إذا رجلان في آخر الناس لم يصليا، فأُتي بهما ترعُد فرائضهما، فقال: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: يا رسول الله، كنا قد صلينا في رحالنا، قال: «فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم، فإنها لكما نافلة»([32]) قال الخطابيُّ: وفي قوله: (فإنها نافلة) دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب. اهـ([33]).
قلت: وعلى ما تقدم فإن النهي عن الصلاة في الأوقات الواردة في النصوص خاص بمطلق التنفل من غير سبب، وبمن قصد تحرى الصلاة فيها، ويؤيده حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتحرَّى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها»([34]).
فائدة: أوقات النهي المتقدمة إنما هي ما كان النهي فيها متعلقًا بالأوقات الأصلية، وهناك أوقات أخرى نهى عن الصلاة فيها لتعلقها بأمر خارج عن أصل الوقت، وستأتي مفرقة في مواضعها في «صلاة التطوع» إن شاء الله.




([1]) صحيح: أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826).
([2]) صحيح: أخرجه البخاري (586)، ومسلم (827).
([3]) تضيَّف الشمس: تميل الغروب.
([4]) صحيح: أخرجه مسلم (831).
([5]) صحيح: أخرجه مسلم (832).
([6]) صحيح: أخرجه البخاري (883).
([7]) إسناده تالف: أخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 226)، وعنه البيهقي (2/ 464).
([8]) «زاد المعاد» لابن القيم (1/ 378) ط. الرسالة.
([9]) صحيح: أخرجه الترمذي (869)، والنسائي (1/ 284)، وابن ماجه (1254).
([10]) «الأم» (1/ 150)، و«المجموع» (4/ 72)، و«المغنى» (2/ 81).
([11]) «المبسوط» (1/ 150).
([12]) صحيح: أخرجه البخاري (344)، ومسلم (682) عن عمران بن حصين.
([13]) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 66)، وعبد الرزاق (2250).
([14]) إسناده ضعيف: ذكري الترمذي تعليقًا (1/ 158)، ووصله ابن أبي شيبة (2/ 66).
([15]) «المدونة» (1/ 130)، و«الأم» (1/ 148)، و«المغنى» (2/ 80)، و«الأوسط» (2/ 411).
([16]) صحيح: تقدم كثيرًا.
([17]) صحيح: أخرجه مسلم (311) وغيره وقد تقدم.
([18]) صحيح: أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (297).
([19]) حسن بطرقه: أخرجه أبو داود (1267)، والترمذي (422)، وأحمد (5/ 447) وهو مرسل وله طريق أخرى عند ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 391)، والحاكم (1/ 274)، والبيهقي (2/ 483) وبمجموعها يحسن الحديث.
([20]) «بداية المجتهد» (1/ 137)، و«الأم» (1/ 149).
([21]) نقله ابن قدامة في «المغنى» (2/ 82).
([22]) «المدونة» (1/ 190)، و«المبسوط» (1/ 152)، و«المغنى» (2/ 82)، و«معالم السنن» (1/ 313).
([23]) صحيح: تقدم قريبًا.
([24]) «الأم» (1/ 150)، و«المجموع» (4/ 68).
([25]) «المبسوط» (1/ 152)، و«شرح فتح القدير» (1/ 204)، و«المغنى» (2/ 90).
([26]) «الأم» (1/ 149)، و«المجموع» (4/ 69).
([27]) صحيح: تقدم في «الوضوء».
([28]) صحيح: يأتي في «صلاة الكسوف».
([29]) صحيح: يأتي في «صلاة التطوع».
([30]) صحيح: أخرجه مسلم (648)، وأبو داود (431)، وانظر «تعظيم قدر الصلاة» (1008) بتحقيقي.
([31]) صحيح: أخرجه مسلم (534) وغيره، وانظر «قدر الصلاة» (1015) بتحقيقي.
([32]) صحيح: أخرجه الترمذي (219)، والنسائي (2/ 112) وغيرهما.
([33]) «معالم السنن» (1/ 165).
([34]) صحيح: أخرجه البخاري (585)، ومسلم (828). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق