الأربعاء، 21 فبراير 2018

9. سنن الوضوء ومستحباته . باب الطهارة

سنن الوضوء:
1- السواك: وقد تقدم استحبابه في «سنن الفطرة».
2- التسمية في أوله: التسمية في ذاتها أمر حسن مشروع في الجملة، وقد ورد في التسمية عند الوضوء أحاديث ضعيفة وإن صححها بعض العلماء- ومن ذلك حديث «ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»([1]).


وثمة أحاديث أخرى ضعيفة جدًّا لا تصلح للاحتجاج، ولذا قال الإمام أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد. اهـ.
قلت: ويؤيد عدم إيجاب التسمية أن من حكوا صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التسمية، وهذا مذهب الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وهو رواية عن أحمد([2]).
3- غسل الكفين في أوله: لما في حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: «... فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلها... » ([3]).
4- المضمضة والاستنشاق من كفٍّ واحدة ثلاثًا: لما في حديث عبد الله بن زيد في تعليمه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثًا»([4]).
5- المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم: لحديث لقيط بن صبرة مرفوعًا: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»([5]).
6- تقديم اليمنى على اليسرى: ففي حديث ابن عباس في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: «... ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرشَّ على رجله اليمنى، حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى... » ([6]).
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يحب التيامن في تنعله وترجُّله وطهوره وفي شأنه كله»([7]).
7- غسل الأعضاء ثلاثًا: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «توضأ مرة مرة»([8]). وأنه «توضأ مرتين مرتين»([9]) وأكمل الوضوء وأتمُّه أن تغسل الأعضاء ثلاثًا، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديثي عثمان وعبد الله بن زيد، وقد تقدما.
تنبيهات:
(أ) مسح الرأس يكون مرة واحدة: فلا يتناوله التثنية والتثليث التي وردت مجملة في أحاديث صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم، وأما الروايات التي فيها تثليث مسح الرأس فلا يصح منها شيء، وأما الروايات التي فيها أنه مسح مرتين فهي تأويل لقوله «فأقبل بهما وأدبر» -كما قال ابن عبد البر([10])- ولا يقال في رد اليدين على الرأس في مسحه أنه تكرار لأن التكرار إنما يكون باستئناف أخذ الماء، ثم إن استحباب التكرار مقصور على المغسول دون الممسوح([11])، ومن أقوى ما يدل على عدم تكرار مسح الرأس حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: «هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم»([12]).
قال الحافظ في الفتح (1/ 298): «فإن رواية سعيد بن منصور فيها التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، فدلَّ على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحب، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت- على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جميعًا بين الأدلة» اهـ.
قلت: وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في الصحيح عنه- خلافًا للشافعي رحمهم الله-([13]).
(ب) يكره الزيادة على الثلاث لمن أسبغ:
الثلاث في أعضاء الوضوء أكمل الوضوء وأتمُّه، ويكره الزيادة عليها، لحديث: «فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم» ومحل هذا ما لم تكن هذه الزيادة لتمام نقصان، وأما إن أسبغ وضوءه بالثلاث أو بما دونها فيكره الزيادة على الثلاث وهذا مما لا خلاف فيه([14]).
8- تخليل اللحية الكثيفة:
تقدم أن اللحية إذا كانت كثيفة لا تصف البشرة فإنه يجزئ غسل ظاهرها، ونزيد هنا أنه يستحب تخليلها بالماء، لحديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: «هكذا أمرني ربي عز وجل»([15])، وهذا الأمر مصروف إلى الاستحباب بحديث رفاعة بن رافع المتقدم- في قصة المسيء صلاته.
9- دلك الأعضاء: لحديث عبد الله بن زيد قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فجعل يَدْلُك ذراعيه»([16]).
10- تخليل أصابع اليدين والرجلين: لقوله صلى الله عليه وسلم: «أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»([17]).
وإذا كانت الأصابع وما بينها لا تغسل إلا بالتخليل فهو حينئذٍ واجب كما قدمنا.
11- الزيادة في الغسل على محل الفرض:
يستحب إسباغ الوضوء وزيادة غسل الوجه إلى مقدم الرأس (ويسمى إطالة الغرة) وغسل ما فوق المرفقين والكعبين (ويسمى إطالة التحجيل) ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أمتي يأتون يوم القيامة غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء» قال أبو هريرة: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل([18]).
وعن أبي هريرة «أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين، وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ»([19]).
وعنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»([20]).
12- الاقتصاد في استعمال الماء: لحديث أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمُدِّ»([21]) والصاع: أربعة أمداد، والمُدُّ: قرابة نصف اللتر المعروف.
13- الدعاء بعد الوضوء:
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ ثم يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء»([22]).
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رقٍّ ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة»([23]).
14- صلاة ركعتين بعد الوضوء:
لحديث عثمان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه»([24]).
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الصبح: «يا بلال، أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دُفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة؟» قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طُهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي([25]).
يجوز تنشيف الأعضاء بعد الوضوء: لعدم ورود المانع من ذلك، والأصل الإباحة، فإن قيل: قد ثبت أن ميمونة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بعد اغتساله- بمنديل فلم ينفض بها وانطلق وهو ينفض يديه»([26]).
فنقول: هذه واقعة عين تحتمل عدة أمور: فإنه إما أن يكون رد المنديل لسبب فيه كعدم نظافته أو أنه يخشى أن يبله بالماء أو غير ذلك، ثم إن إتيانها رضي الله عنها بالمنديل فيه إشعار أن التنشيف كان من عادته([27])، ويتأيد الجواز بما ورد أنه صلى الله عليه وسلم: «توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها»([28]).
قال الترمذي (54): «وقد رخَّص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كرهه إنما كرهه من قِبَل أنه قيل: إن الوضوء يوزن» اهـ.
لا يصح الوضوء مع وضع «المانيكير» على الأظفار([29]):
لأنه يمنع نفاذ الماء إلى محل الفرض، أما اللون وحده كالخضاب بالحناء ونحوه فلا يؤثر، وإن كان الأفضل إزالته كذلك- قبل الوضوء والصلاة، لقول ابن عباس: «نساؤنا يختضبن أحسن خضاب: يختضبن بعد العشاء، وينزعن قبل الفجر»([30]).
وعن إبراهيم النخعي في المرأة تخضب يديها على غير وضوء ثم تحضُرها الصلاة قال: «تنزع ما على يديها إذا أرادت أن تصلي»([31]).




([1]) ضعيف: أخرجه أبو داود (101)، والترمذي (25)، وأحمد (2/ 418) وغيرهم والراجح ضعفه، وقد حسنه الألباني –رحمه الله- في «الإرواء» (1/ 122) وللشيخ الفاضل أبي إسحاق الحويني –حفظه الله- جزء في تصحيحه، والأمر فيه قريب والله أعلم.
([2]) «فتح القدير» (1/ 22)، و«مواهب الجليل» (1/ 266)، و«مجموع» (1/ 385)، و«الإنصاف» (1/ 128).
([3]) صحيح: أخرجه البخاري (159)، ومسلم (226).
([4]) صحيح: أخرجه مسلم (235)، والترمذي (28)، وابن ماجه (405).
([5]) صحيح: أخرجه أبو داود (142)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (407)، وأحمد (4/ 33).
([6]) صحيح: أخرجه البخاري (140).
([7]) صحيح: أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268).
([8]) صحيح: أخرجه البخاري (156)، عن ابن عباس.
([9]) صحيح: أخرجه البخاري (157)، عن عبد الله بن زيد.
([10]) «الخلافيات» للبيهقي (1/ 336) تعليق الشيخ مشهور آل سلمان – أثابه الله- وانظر «الطهور» لأبي عبيد (ص 359).
([11]) «مقدمات ابن رشد على المدونة» (ص 16).
([12]) صحيح: أخرجه النسائي (1/ 88)، وابن ماجه (422)، وأحمد (2/ 180).
([13]) «المبسوط» (1/ 5)، و«حاشية الدسوقي» (1/ 98)، و«المغنى» (1/ 127)، و«الأم» (1/ 26).
([14]) «التمهيد» لابن عبد البر (20/ 117) بنحوه مختصرًا.
([15]) صحيح لغيره: أخرجه أبو داود (145)، والبيهقي (1/ 54)، والحاكم (1/ 149)، وانظر «الإرواء» (92).
([16]) صحيح: أخرجه ابن حبان (1082)، والبيهقي (1/ 196).
([17]) صحيح: تقدم قريبًا.
([18]) صحيح: أخرجه البخاري (36)، ومسلم (246).
([19]) صحيح: أخرجه مسلم (246).
([20]) صحيح: أخرجه مسلم (250).
([21]) صحيح: أخرجه البخاري (198)، ومسلم (325).
([22]) صحيح: أخرجه مسلم (234).
([23]) صحيح: أخرجه النسائي في «الكبرى» (9909)، والحاكم (1/ 564) وله شواهد.
([24]) صحيح: أخرجه البخاري (6433)، ومسلم (226).
([25]) صحيح: أخرجه البخاري (1149)، ومسلم (2458).
([26]) صحيح: أخرجه البخاري (270).
([27]) أفاده في «الشرح الممتع» (1/ 181)، وانظر «زاد المعاد» (1/ 197).
([28]) إسناده قريب من الحسن: أخرجه ابن ماجه (468، 3564).
([29]) من كتابي «فقه السنة للنساء» (ص 39).
([30]) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 120).
([31]) إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (1/ 77، 78). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق