الدماء
الطبيعية الخارجة من المرأة، تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- دم الحيض.
2- دم النفاس.
3- دم
الاستحاضة.
ودم الحيض: هو
الدم الأسود الخاثر [يعني: الغليظ] الكريه الرائحة الذي يجري من المرأة من موضع
مخصوص في أوقات معلومة.
والحيض شيء
كتبه الله تعالى على بنات آدم جميعًا، كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة –كما في
الصحيحين-: «إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم... » الحديث.
بل إن ابتداء
الحيض كان مع حواء –عليها السلام- أيضًا، فقد عزاه الحافظ في الفتح (1/ 400) إلى
الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: «إن ابتداء الحيض كان على
حواء بعد أن أهبطت من الجنة».
ولا حدَّ لأقل
الحيض ولا لأكثره، وإنما مرد ذلك إلى العادة: لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه
وسلم دليل صحيح يوضح أقل الحيض ولا أكثره.
قال شيخ
الإسلام في «الفتاوى» (21/ 623):
وأما الذين
يقولون: أكثر الحيض خمسة عشر كما يقوله الشافعي وأحمد ويقولون أقله يوم –كما يقوله
الشافعي وأحمد- أو لا حد له كما يقوله مالك، فهم يقولون: لم يثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في هذا شيء، والمرجع في ذلك إلى العادة كما قلنا
والله أعلم([3]).
1- يُعَرف
«إقبال المحيض» بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض وهو دم أسود ثخين منتن.
2- أما إدبار
المحيض: أي انتهاء الحيض، فيعرف بانقطاع الدم والصفرة والكدرة، وهذا يتحقق بأحد
شيئين:
(أ) الجفوف: وهو
أن يخرج ما يُحتشى به الرحم جافًّا، بمعنى أن المرأة تضع في فرجها شيئًا (قماشة أو
قطنة) فيخرج جافًا.
(ب) القَصَّة
البيضاء: وهي ماء أبيض يخرج من الرحم عند انقطاع دم الحيض.
وقد ورد عن
مولاة عائشة أنها قالت:
كان النساء
يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة [أي: الخرقة] فيها الكُرسف [أي: القطن] فيه
الصفرة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة
البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة([5]).
ما حكم
الصُّفرة والكُدرة بعد الطهر عن المحيض؟
الصفرة والكدرة
هو الماء الذي تراه المرأة كالصديد ويعلوه اصفرار.
وهذا إذا رأته
المرأة بعد انقطاع الدم أو بعد الجفوف، فلا يعد حيضًا وهي طاهرة فتصلي وتصوم
ويأتيها زوجها.
وذلك لحديث أم
عطية رضي الله عنها قالت:
فوائد:
1- إذا رأت
المرأة الطهر ولم تجد ماءً للغُسل، فإنها تتيمم ويأتيها زوجها، وبهذا قال عدد كبير
من أهل العلم([7]).
2- إذا استمر
الدم بالمرأة أكثر من عادتها، ماذا تفعل؟
فمثلاً إذا
كانت امرأة تحيض عادة ستة أيام كل شهر، فزادت في شهر وأصبح سبعة أو ثمانية أو عشرة،
ماذا تصنع؟
فنقول: هذه
المرأة لا يخلو حالها من أمرين:
أن تكون ممن
تستطيع تمييز دم الحيض عن غيره.
فهذه تنظر إلى
هذا الدم فإن كان لونه ورائحته وطبيعته كحال دم الحيض، فإنها تبقى ممتنعة من
الصلاة والصيام والجماع كما كانت، لأنه لا يوجد حد معين لتوقيت الحيض كما تقدم، وإن
وجدته مخالفًا لدم الحيض فإنها تغتسل وتصلي.
أما إذا كانت
ممن لا يستطيع تمييز الدم –وهذا موجود في بعض النساء- فإنها تبقى لا تصلي ولا تصوم
ولا يأتيها زوجها حتى تتطهر لأنه ليس هناك حد لأكثر الحيض([8]).
3- إذا كان
الدم في أيام العادة الشهرية يأتي يومين –مثلًا- ثم ينقطع في الثالث ثم يأتي في
الرابع وهكذا.
فالصواب أن
انقطاع الدم في أيام الحيض المعروفة يعد حيضًا لا عبرة بانقطاع الدم، وإنما العبرة
برؤية علامة الطهر وهي: القصة البيضاء التي تعرفها النساء([9]).
للعلماء في هذا
وجهان:
فذهب أكثر
العلماء إلى أن الحامل لا تحيض، واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «لا
توضأ حامل [حتى تضع] ولا غير حامل حتى تحيض حيضة»([11]). فقالوا: إن
استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم
البراءة بالحيض.
وذهب بعضهم
–منهم الشافعي- إلى أن الحامل تحيض.
والصواب في هذا
أن يقال: إن الأصل والقاعدة العامة الغالبة أن الحامل لا تحيض، لكن قد تشذ امرأة
فينزل بها دم وهي حامل فينظر في هذا الدم، فإن كان كدم الحيض لونًا ورائحة وطبيعة
وفي وقت الحيض فإنه يُعدُّ حيضًا تترك له الصلاة والصوم ويعتزلها زوجها، لكن هذا
الحيض، لا يعتد به في مسألة العدة لأن الله تعالى قال: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}([12]) أما إذا كان
الدم النازل على الحامل يخالف طبيعة دم الحيض وفي غير أوانه فلا يكون دم حيض وليس
له اعتبار، كدم الاستحاضة.
ما يحرم على الحائض
والنفساء:
1- الصلاة:
أجمع العلماء
على أنه يحرم على الحائض والنفساء الصلاة: فرضها ونفلها، وأجمعوا على أنه يسقط
عنها فرض الصلاة فلا تقضيه إذا طهرت([13]).
عن أبي سعيد
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فذلك نقصان
دينها»([14]).
وعن معاذة أن
امرأة قالت لعائشة: «أتجزئ إحدانا صلاتها إذا طهرت؟».
فقالت: أحرورية([15]) أنت؟ كنا نحيض
مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله»([16]).
فوائد:
1- إذا حاضت
المرأة قبيل العصر –مثلًا- ولم تكن صلت الظهر، فهل يلزمها قضاء الظهر إذا طهرت؟
إذا أتى المرأة
الحيض قبيل العصر مثلًا ولم تصل الظهر، فإذا طهرت فإنها تقضي تلك الصلاة التي وجبت
عليها قبل العادة (وهي الظهر) عند الجمهور، فقد ثبتت الصلاة في حقها ولزمها أن
تقضيها، ما دام قد دخل وقتها وهي طاهرة بمقدار الركعة، لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ
كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً}([17]) وهناك قول آخر
أنه لا يلزمها قضاء الظهر، ويستدل القائلون به، بأن النساء على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم كُنَّ يحضن في كل الأوقات ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
امرأة بعد طهرها أن تصلي صلاة فاتتها قبل نزول الحيض عليها، قال شيخ الإسلام في
الفتاوى (23/ 235): «والأظهر في الدليل مذهب أبي حنيفة ومالك أنها لا يلزمها شيء
لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء، ولأنها أخرت تأخيرًا
جائزًا غير مفرطة، وأما النائم أو الناسي وإن كان غير مفرط أيضًا فإن ما يفعله ليس
قضاء بل ذلك وقت الصلاة في حقه حين يستيقظ ويذكر... » اهـ.
2- إذا طهرت
الحائض قبيل العصر –مثلًا- فلما اغتسلت دخل وقت العصر، فهل يلزمها أن تصلي الظهر؟
والجواب أنه
يلزمها إذا طهرت –من حيض أو نفاس- قبل غروب الشمس أن تصلي الظهر والعصر من هذا
اليوم، وكذلك إذا طهرت قبل طلوع الفجر لزمها أن تصلي المغرب والعشاء من هذه الليلة
لأن وقت الصلاة الثانية وقت للصلاة الأولى في حالة العذر.
قال شيخ
الإسلام في «الفتاوى» (2/ 334): «ولهذا كان مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي
وأحمد إذا طهرت الحائض في آخر النهار صلت الظهر والعصر جميعًا، وإذا طهرت في آخر
الليل صلت المغرب والعشاء جميعًا، كما نقل ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة
وابن عباس، لأن الوقت مشترك بين الصلاتين في حال العذر، فإذا طهرت في آخر النهار
فوقت الظهر باق فتصليها قبل العصر، وإذا طهرت في آخر الليل فوقت المغرب باقٍ في
حال العذر فتصليها قبل العشاء... » اهـ. والله أعلم.
2- الصيام: وقد
انعقد الإجماع على أن الحائض والنفساء تدع الصيام، ولكنها تقضي صيام رمضان.
فقد قالت عائشة
رضي الله عنها: «كان يصيبنا ذلك [تعني: الحيض] فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء
الصلاة»([18]).
فوائد:
1- إذا طهرت
الحائض قبل الفجر ولم تغتسل فهل تصوم؟
والجواب: أن
الحائض إذا طهرت قبل الفجر ونوت الصيام صح صومها ولا يتوقف صحة الصيام على الغُسل
بخلاف الصلاة وهو قول الجمهور([19]).
2- إذا طهرت
الحائض قبل غروب الشمس فهل تصوم باقي النهار؟
والجواب: لا
يلزمها أن تمسك بقية النهار فهي قد أفطرت في أوله وستقضي يومًا عنه فلا داعي
للإمساك باقي اليوم.
فعن ابن جريج
قال: قلت لعطاء: المرأة تصبح حائضًا ثم تطهر في بعض النهار أتتمه؟ قال: لا، هي
قاضية([20]).
3- الجماع: (الوطء
في الفرج)
وطء الحائض في
الفرج [الجماع] لا يجوز باتفاق الأئمة([21])، كما حرم الله
تعالى ذلك بقوله: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}([22]).
قال شيخ
الإسلام في الفتاوى (21/ 624):
ووطء النفساء
كوطء الحائض حرام باتفاق الأئمة. اهـ.
فوائد:
1- «لو اعتقد
مسلم حِلَّ جماع الحائض في فرجها –صار كافرًا مرتدًّا-، ولو فعله إنسان غير معتقد
حله: فإن كان ناسيًا أو جاهلاً بوجود الحيض أو جاهلاً بتحريمه أو مكرهًا فلا إثم
عليه ولا كفارة.
وهل عليه حينئذ
كفارة؛ قال الجمهور –خلافًا لأحمد- ليس عليه كفارة، قلت: وهو الصواب، وأما حديث
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض أنه قال: «يتصدق
بدينار أو نصف دينار»([25]) فالراجح ضعفه،
والأصل في أموال المسلمين الحرمة فلا يحل مال المسلم إلا بنص.
2- الذي يمنع
من الاستمتاع بالحائض هو الفرج فقط([26])، فللزوج أن
يتلذذ من امرأته الحائض بكل شيء ما عدا الإيلاج في الفرج، والدليل على هذا حديث
أنس أنه لما نزل قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}([27]).
قلت: وأقوى ما
يتأيد به هذا القول حديث مسروق أنه قال لعائشة: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا
أستحيي! فقالت: إنما أنا أمُّك وأنت ابني، فقال: ما للرجل ما امرأته وهي حائض؟
قالت: «له كل شيء إلا فرجها»([30]).
ولا شك أن
عائشة من أعلم الناس بحكم هذه المسألة لأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: هناك
قول آخر للعلماء: أن ما يجوز للرجل الاستمتاع به من امرأته الحائض هو كل شيء ما
عدا ما بين السرة إلى الركبة ولهذا القول أدلته([31]) لكن القول
الأول أرجح والله أعلم.
3- إذا طهرت
المرأة من الحيض فلا يحل لزوجها أن يجامعها إلا إذا اغتسلت.
فقد قال تعالى:
{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}([32]).
قال مجاهد: للنساء
طهران: طهر قوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} أي: إذا اغتسلن ولا تحل لزوجها حتى
تغتسل، يقول: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} من حيث يخرج الدم فإن لم يأتها من
حيث أمر الله فليس من التوابين ولا من المتطهرين»([33]).
وقد أطبق أهل
العلم على أن المرأة لا يأتيها زوجها –وإن رأت الطهر- حتى تغتسل، خلافًا لابن حزم.
وهنا سؤال: إذا
كانت زوجة المسلم كتابية فهل تجبر على الاغتسال أم لا؟
والجواب: أنها
تجبر على الاغتسال ولا يجوز لزوجها أن يقربها إلا بعد أن تغتسل لأن الآية لم تخص
مسلمة من غيرها([34]).
4- على الحائض
أن تمتنع من زوجها إذا أراد جماعها، لكن إذا غلبت على أمرها فلا شيء عليها، وتستغفر
الله([35]).
5- الطواف: وهو
حرام على الحائض بالإجماع، لحديث عائشة أنها لما حاضت في الحج قال لها النبي صلى
الله عليه وسلم: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»([36]).
وسيأتي مزيد
بيان لهذا في أبواب الحج، إن شاء الله تعالى.
أمور لا بأس
بها للحائض:
1- ذكر الله
وقراءة القرآن:
قال ابن حزم في
المحلى (1/ 77، 78): قراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى أفعالُ
خير، مندوب إليها مأجور فاعلها، فمن ادعى المنع فيها في بعض الأحوال كُلِّف أن
يأتي بالبرهان. اهـ.
2- السجود إذا
سَمِعَتْ أية سجدة:
فليس هناك مانع
من سجود المرأة الحائض إذا سمعت السجدة، فليست السجدة بصلاة، ولا يشترط لها
الطهارة.
فقد ثبت في
صحيح البخاري (4862) أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا سورة النجم فسجد فيها وسجد
معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
ومن البعيد أن
يقال إن الجميع كانوا على وضوء، ثم إن سجدة التلاوة ليست بصلاة، وبنحو هذا قال
الزهري وقتادة كما في مصنف عبد الرزاق (1/ 321)
([38]).
3- مس المصحف:
ولا نعلم
دليلاً صريحًا يمنع الحائض من مس المصحف، وإن كان أكثر أهل العلم قد ذهبوا إلى أن
الحائض لا يجوز لها أن تمس المصحف، وقد تقدم تحريره.
4- قراءة الرجل
القرآن وهو في حجر امرأته الحائض:
5- شهود
العيدين:
وهذا لا بأس به،
بل إنه يستحب للحُّيض أن يخرجن لشهود العيد لكن يعتزلن الصلاة.
فقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم: «يخرج العواتق وذوات الخدور والحُيَّض وليشهدن الخير ودعوة
المؤمنين، ويعتزل الحُيَّض المصلى»([40]).
6- دخول المسجد:
وفي هذا الأمر
خلاف واسع بين العلماء قد تقدم مفصلاً([41]) والحاصل أننا
لم نقف على دليل صحيح صريح يمنع الحائض من دخول المسجد، والأصل الإباحة حتى يوجد
المانع ومع هذا فإن المرء لا يزال يستخير الله في هذه المسألة.
7- مؤاكلة
ومشاربة الزوج للحائض:
فعن عائشة قالت:
«كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ»([42]).
8- خدمة المرأة
الحائض لزوجها:
كأن تغسل رأسه
أو تُرجِّله وتُسرِّحه، فعن عائشة قالت: «كنت أُرجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنا حائض»([43]).
9- نوم الحائض
مع زوجها في لحاف واحد:
فعن أم سلمة
قالت: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت فانسللت فأخذت
ثياب حيضتي. قال: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة([44]).
قال النووي في
شرح مسلم (1/ 954): فيه جواز النوم مع الحائض والاضطجاع معه في لحاف واحد... اهـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق