صحيح فقه السنة
الأذان والإقامة
التعريف([1]):
وشرعًا: التعبد لله تعالى للإعلام
بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
والإقامة لغة: مصدر (أقام) من أقام
الشيء إذا جعله مستقيمًا، ولها معان منها: الاستقرار والإظهار والنداء، وشرعًا:
التعبد لله بالقيام للصلاة والشروع فيها لذكر مخصوص.
أولاً: الأذان
من فضائل الأذان:
1- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: «إذا نوُدي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا
قُضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين
المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم
صلى»([3]).
2- عن أبي سعيد الخدري قال لابن أبي
صعصعة: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة
فارفع صوتك بالنداء فإنه «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له
يوم القيامة» قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم([4]).
3- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن
يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في
العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا»([5]).
4- عن معوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
قال: قال رضي الله عنه: «المؤذِّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة»([6]).
5- عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يعجب ربُّكم من راعي غنم في رأس شَظيَّة بجبل
يؤذِّن بالصلاة، ويصلى فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة
يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة»([7]).
6- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: «الإمام ضامن، والمؤذِّن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وغفر
للمؤذِّنين»([8]).
7- الأذان أفضل من الإمامة: للأحاديث
المتقدمة في فضل الأذان، ولأن «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن» والأمانة أعلى من الضمان،
والمغفرة أعلى من الإرشاد، وإنما لم يتولَّ النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه
الراشدون التأذين، لأن الإمامة كانت متعيِّنة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم،
ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، لضيق وقتهم عنه، وانشغالهم بما هو أهم كتدبير
شئون المسلمين، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان
لأكثر الناس الأذان أفضل.
وهذا مذهب الشافعي وأصح الروايتين عن
أحمد واختاره أكثر أصحابه والمالكية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([9]).
بدء مشروعية الأذان: شُرع الأذان
بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة، على الأصح، للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك،
ومن ذلك حديث ابن عمر:
كان يقول: كان المسلمون حين قدموا
المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم:
اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم بل بوقًا مثل قرن اليهود، فقال عمر:
أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال
قم فناد بالصلاة»([10]).
حكم الأذان:
اتفقت الأمة الإسلامية على مشروعية
الأذان، والعمل به جارٍ منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بلا
خلاف.
ثم اختلف أهل العلم في حكمه، هل هو
واجب؟ أو سنة مؤكدة؟ والصحيح الذي لا ينبغي التردد فيه في مثل هذه العبادات
العظيمة أن الأذان فرض كفاية، فليس لأهل مدينة أو قرية أن يدعوا الأذان والإقامة،
ويستدل على ذلك بأمور:
1- أن الأذان عبادة من أعظم شعائر
الإسلام وأشهر معالم الدين، وقد وقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله سبحانه إلى أن
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليل ونهار وسفر وحر، ولم يسمع أنه وقع
الإخلال بها أو الترخيص في تركها.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد
جعله علامة للإسلام ودلالة على التمسك به والدخول فيه، فعن أنس أن النبي صلى الله
عليه وسلم «كان إذا أغزى بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع
أذانًا كفَّ عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم»([11]).
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر
به، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولأصحابه:
«إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمَّكم أكبركم»([12]).
4- عن أنس بن مالك قال: «أُمِرَ بلال
أن يشفع الأذان ويُوتر الإقامة»([13]).
5- في حديث عبد الله بن زيد في رؤياه
الأذان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها رؤيا حق، إن شاء الله، ثم أمر
بالتأذين»([14]).
6- قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن
أبي العاص: «... واتَّخِذْ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا»([15]).
7- عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من ثلاثة [لا يؤَذَّن] ولا تقام فيهم الصلاة إلا
استحوذ عليهم الشيطان»([16])
وهو دالٌّ على وجوب الأذان لأن الترك الذي هو نوع من استحواذ الشيطان يجب تجنُّبه.
وقد ذهب إلى وجوب الأذان: مالك –في
قول، وخصَّ الفرضية بمساجد الجماعات- وأحمد، وهو وجه عند الشافعية، وبه قال عطاء
ومجاهد والأوزاعي وداود وابن حزم، واختاره ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية([17]).
بينما ذهب أبو حنيفة والشافعي، وهو قول
عن مالك، إلى أنه سنة مؤكدة!! قلت: ولا شك أن الأول أرجح، ثم إن الحنفية –القائلين
بأنه سنة- قد صرَّحوا بأنها كالواجب في لحوق الإثم([18])،
فكأَّن الخلاف معهم لفظي والله أعلم.
صحيح فقه السنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق