الأربعاء، 21 فبراير 2018

1.3 المسح على الجوربين و النعلين باب الطهارة

ثانيًا: المسح على الجوربين والنعلين
[1] المسح على الجوربين:
الجورب: هو ما يلبسه الإنسان في قدميه سواء كان مصنوعًا من الصوف أو القطن أو الكتاب أو نحو ذلك، وهو ما يُعرف «بالكلاسط» في تونس والشراب عند إخواننا في المشرق.
وللعلماء في حكم المسح على الجوربين ثلاثة أقوال:

الأول: أنه لا يجوز المسح عليهما إلا أن يكون عليهما نعل جلد: وهو مذهب أبي حنيفة (ثم رجع عنه) ومالك والشافعي([1])، قالوا: لأن الجورب لا يسمى خفًّا فلا يأخذ حكمه، ولا يثبت في المسح على الجوربين حديث (!!).
الثاني: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكونا صفيقين ساترين محل الفرض: وهو مذهب الحسن وابن المسيب وأحمد، وفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة([2]).
الثالث: يجوز المسح على الجوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين: وهو ظاهر مذهب ابن حزم وابن تيمية، واختاره ابن عثيمين والعلامة الشنقيطي([3])، وهو الراجح. واستدل أصحاب القولين الأخيرين على جواز المسح على الجوربين بما يلي:
1- حديث المغيرة بن شعبة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين»([4]).
2- عن الأزرق بن قيس قال: «رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ قال: إنهما خفان، ولكن من صوف»([5]).
فصرَّح أنس رضي الله عنه بأن الخف أعم من أن يكون من جلد، وهو صحابي من أهل اللغة.
3- أنه قد قال بالمسح على الجوربين من الصحابة أحد عشر صحابيًا منهم عمر وابنه عبد الله وعلي وابن مسعود وأنس وغيرهم، وليس لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعًا، ثم منع الجمهور المسح على الجوربين الرقيقين لأنهما غير ساترين لمحل الفرض، وقد تقدم أن هذا ليس بشرط على التحقيق- قياسًا على الخف المخرق، ولأن غالب ما يلبس اليوم من الجوارب الرقيقة نسبيًّا، فاشتراط هذه الشروط يناقض مقصود الشارع من التوسعة بالتضييق والجرح، والله أعلم.
فائدة: يدخل في معنى الجورب: اللفائف التي تُلف على القدمين لعذر، فهذه يشق حلُّها، فله أن يمسح عليها كما اختاره شيخ الإسلام.
وأحكام المسح على الجوربين هي نفس أحكام المسح على الخفين.
إذا لبس جوربًا فوق جورب: هذا له حالات:
1- إذا توضأ ثم لبس جوربين، فإن له إذا أحدث- أن يمسح على الأعلى منهما، وهذا مذهب الحنفية والراجح عند المالكية والحنابلة والقول القديم للشافعي وخالفهم في الجديد([6]).
2- إذا توضأ ولبس جوربين، ثم مسح عليهما، ونزع الأعلى بعد المسح، جاز له إتمام المدة بالمسح على الأسفل، لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين.
3- إذا توضأ ولبس جوربًا، ولم يُحدث حتى لبس عليه آخر، مسح على أيهما شاء([7]).
4- إذا توضأ ولبس جوربًا واحدًا ومسح عليه ثم لبس عليه آخر فإن كان على طهارة- صح أن يمسح على الأعلى، لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين([8])، وإن كان أحدث ثم لبس الآخر لم يجز له المسح على الأعلى بل يجوز على الأسفل.
[2] المسح على النعلين:
وقد تقدم حديث المغيرة بن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين»([9]) وهو على القول بصحته- يحتمل أمرين:
1- أن يكون لَبِس النعلين فوق الجوربين، ومسح عليهما، فيكون حكمهما معًا كما تقدم في لبس جورب فوق جورب أو خف فوق خف.
2- أن يكون المغيرة رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح مرة على الجوربين وأخرى على النعلين، فيكون دليلاً على جواز المسح على النعلين ولو بدون جوربين، وهذا وإن كان بعيدًا بعض الشيء إلا أنه يستدل على جواز ذلك بما تقدم في حديث أبي ظبيان «أن علي بن أبي طالب توضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد، فخلع نعليه، ثم صلى... » ([10]) وليس فيه ذكر الجوربين.
وربما يتأيد جواز المسح على النعلين كذلك- بأن لا يشترط أن يكون الممسوح عليه ساترًا لمحل الفرض على التحقيق، والله أعلم.



([1]) «مسائل أحمد» لابن هانئ (1/ 21)، و«الأوسط» (1/ 464)، و«المجموع» (1/ 540)، و«فتح القدير» (1/ 157).
([2]) «المحلى» (2/ 86)، و«المسائل الماردينية» (ص 58)، و«مجموع الفتاوى» (21/ 184)، و«الممتع» (1/ 190)، و«أضواء البيان» (2/ 18، 19) وفيه بحث نفيس.
([3]) صححه الألباني: أخرجه أبو داود (159)، والترمذي (99)، وأحمد (4/ 252) وهو متكلم فيه، وانظر «الإرواء» (101).
([4]) صححه أحمد شاكر: أخرجه الدولابي في «الكنى» (1/ 181).
([5]) «حاشية ابن عابدين» (1/ 179)، و«جواهر الإكليل» (1/ 24)، و«روضة الطالبين» (1/ 127)، وكلامهم هناك على الخفاف والحكم واحد.
([6]) وصرح بهذا الحنابلة كما في «كشاف القناع» (1/ 117- 118).
([7]) صرح بهذا الحنابلة كما في «كشاف القناع» (1/ 117- 118) بأنه لا يمسح، قال: «لأن الخف الممسوح بدل عن غسل ما تحته، والبدل لا يجوز له بدل آخر، بل يمسح على الأسفل لأن الرخصة تعلقت به»!! قلت: في هذا نظر، لأن للمسألة ضابطًا واحدًا هو أن يدخل رجليه طاهرتين، وهذا حاصل ولو بالمسح على الأسفل قبل لبس الأعلى ويستباح به الصلاة.
([8]) تقدما قريبًا.
([9]) تقدما قريبًا.
([10]) «مسائل أبي داود» (8)، و«المغنى» (1/ 300)، و«المجموع» (1/ 406)، و«الأوسط» (1/ 468)، و«المحلى» (2/ 58)، و«مجموع الفتاوى» (21/ 184). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق