الأربعاء، 21 فبراير 2018

14. المسح على غطاء الرأس و الجبيرة. باب الطهارة

ثالثًا: المسح على غطاء الرأس:
1- المسح على العمامة في الوضوء:
يجوز المسح على العمامة بدل مسح الرأس- في الوضوء مطلقًا وهو مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور والأوزاعي وابن حزم وابن تيمية، وهو قول أبي بكر وعمر وأنس وغيرهم من الصحابة([1])، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك:

فعن عمرو بن أمية الضمري قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة». ومثله عن المغيرة بن شعبة([2])، وعن بلال قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار»([3]) والخمار: غطاء الرأس، والمراد: العمامة.
بينما ذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي([4]) إلى أنه لا يمسح على العمامة وحدها، بل يمسح عليها مع الناصية، فتكون الناصية هي الفرض والعمامة فضلاً، بناء على تجويزهم مسح بعض الرأس!! لكن قال الشافعي: إن صح حديث المسح على العمامة فبه أقول، وقد صح بلا ريب فهو قوله.
واحتج المانعون من المسح على العمامة بحديث جابر بن عبد الله قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حسر العمامة عن رأسه ومسح على ناصيته»([5]) ولم أجده مسندًا!!
وبحديث المغيرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وعلى الناصية والخفين»([6]).
قلت: والراجح أنه يجوز مطلقًا المسح على العمامة لثبوت الأخبار به عن النبي صلى الله عليه وسلم ولعمل الخليفتين من بعده به، ولأنه ليس عند المانعين حجة معتبرة([7])، وإن كان الأولى أن يمسح جزءًا من الناصية مع العمامة خروجًا من الخلاف، والله أعلم.
2- مسح المرأة على الخمار:
قال شيخ الإسلام: «إن خافت المرأة من البرد ونحوه، مسحت على خمارها، فإن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، وينبغي أن تمسح مع هذا بعض شعرها، وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك، ففيه نزاع بين العلماء» اهـ([8]).
قلت: فذهب الحنفية ومالك والشافعي والحنابلة في رواية([9])- إلى أنه لا يجوز، لما يُروى عن عائشة أنها أدخلت يدها تحت الخمار، ومسحت برأسها، وقالت: «بهذا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم»([10]).
قالوا: ولأنه ملبوس لرأس المرأة ولا مشقة في نزعه فلم يجز المسح عليه.
وذهب الحسن البصري إلى جواز المسح على الخمار، وهو قول عند الحنابلة لكنهم اشترطوا أن تكون خُمر النساء مدارة تحت الحلوق!!- قياسًا على العمامة إذ الخمار ملبوس للرأس معتاد.
قلت: لو صح حديث عائشة لكان حاسمًا في المنع، وإلا فالقياس على العمامة متجه، والأحوط أن تمسح مع الخمار مقدَّم رأسها والله أعلم.
3- المسح على القلنسوة (الطاقية) في الوضوء:
ذهب جمهور العلماء إلى أ، ه لا يجوز المسح في الوضوء- على القلنسوة بدلاً من الرأس، لأن الفرض مسح الرأس، وعُدل عنه في العمامة لمشقة نزعها عند الجمهور أو للنص عند أحمد.
وذهب ابن حزم وابن تيمية([11]) والمحققون من أهل العلم إلى جواز المسح على القلنسوة، لأنه لما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمامة أو الخمار، علمنا أن مباشرة الرأس بالماء ليس فرضًا، فأي شيء لبس على الرأس جاز المسح عليه، وإن لم يكن ساترًا لمحل الفرض، ولو لم يشق نزعه، وهو الصواب والله أعلم.
فائدة لا يشترط لبس أغطية الرأس على طهارة لجواز المسح عليها: فلا تقاس على الخفين، لعدم العلة الجامعة بينهما، وإنما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبس الخفين على الطهارة، ولم ينص على ذلك في العمامة والخمار، ولو وجب لبيَّنه صلى الله عليه وسلم([12]).
قلت: هذا، على أن الخفين بدل عما فرضه الغَسل، وأما الرأس ففرضه المسح، وما كان على الرأس فآخذ حكمه، فافترقا، والله أعلم.
ولا توقيت ولا تحديد لمدة المسح على أغطية الرأس: لعدم صحة القياس على مسح الخفين، وقد مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمامة والخمار ولم يوقت في ذلك وقتًا وهذا مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه([13]).
رابعًا: المسح على الجَبيرَة
الجبيرة: عيدان تجبر بها العظام المكسورة لتتماسك، وقد استعيض عنها في هذه الأيام بالجبس.
ومن كان على أحد أعضاء الوضوء كالذراعين أو الرجلين- جبيرة، فإنه يجوز له أن يمسح عليها عند جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم([14])، واستدلوا بما يلي:
1- حديث جابر في الذي أصابته الشجة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما يكفيه أن يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها»([15]) وهو ضعيف.
2- قول ابن عمر: «من كان له جرح معصوب عليه، توضأ ومسح على العصائب، ويغسل ما حول العصائب»([16]) ولا يُعلم لابن عمر مخالف من الصحابة.
3- القياس على المسح على الخفين، فإن المسح عليهما لغير ضرورة جائز، فكيف بالجبيرة وهي ضرورة فهي أولى.
وذهب ابن حزم إلى أن من كانت عليه جبيرة فليس عليه أن يمسح عليها، وأنه يسقط حكم ذلك المكان([17]).
قلت: هذا لأنه يضعِّف أحاديث المسح على العصائب، ولا يرى القياس حجة!! وهذه الأحاديث لا تصح كما قال، وأما القياس فلا شك أنه حجة إذا تحققت أركانه وشروطه، لكن قد يقال إن القياس هنا فاسد لاختلاف حكم الفرع عن الأصل، فهو قياس واجب (المسح على الجبيرة عند الجمهور) على مباح (المسح على الخفين فيتألق حينئذٍ مذهب ابن حزم والله أعلم.
فوائد:
1- المسح على الجبيرة يجزئ في الوضوء والغُسل على سواء: لأن الجبيرة ضرورة فلا يفرق فيها بين الحدث الأصغر والأكبر، بخلاف المسح على الخفين فإنه رخصة.
2- لا يشترط وضع الجبيرة على طهارة ولا التوقيت:
لا يشترط أن توضع الجبيرة على طهارة لأن هذا ينافي مقصد الشرع في إباحة المسح من رفع الحرج والمشقة، ولأن حال الجبيرة اضطرار يأتي مفاجأة بخلاف الخفين، ثم لعدم النص أو الإجماع.
وكذلك لا توقيت للمسح عل الجبيرة بل متى نزعت أو برئ العضو لم يجز المسح.
3- اللفائف الطبية على أعضاء الوضوء لها حكم الجبيرة: كما حققه شيخ الإسلام([18]).



([1]) صحيح: أخرجه البخاري (205).
([2]) صحيح: أخرجه مسلم (275).
([3]) صحيح: أخرجه مسلم (285).
([4]) «حاشية ابن عابدين» (1/ 181)، و«حاشية الدسوقي» (1/ 164)، و«المجموع» (1/ 407).
([5]) لم أهتد إليه: ولا يوجد في شيء مما لدى من كتب الحديث، وقد ذكره ابن المنذر (1/ 469) بدون إسناد.
([6]) صحيح: تقدم في «الوضوء».
([7]) انظر حججهم والرد عليها في «المحلى» (2/ 61).
([8]) «مجموع الفتاوى» (21/ 218).
([9]) «المدونة» (1/ 42)، و«الأم» (1/ 26)، و«البدائع» (1/ 5)، و«المغنى» (1/ 305).
([10]) لم أقف عليه: وإنما ذكره الكاساني في «البدائع» (1/ 5) ولم أره في شيء من كتب الحديث!!.
([11]) «المحلى» (2/ 58)، و«مجموع الفتاوى» (21/ 184- 187، 214).
([12]) «المحلى» (2/ 64).
([13]) «المحلى» (2/ 65).
([14]) «شرح فتح القدير» (1/ 140)، و«المدونة» (1/ 23)، و«المغنى» (1/ 203)، و«المجموع» (2/ 327).
([15]) ضعيف: أخرجه أبو داود (236) وغيره، وانظر «الإرواء» (105).
([16]) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 126)، والبيهقي (1/ 228).
([17]) «المحلى» (2/ 74).
([18]) «مجموع الفتاوى» (21/ 185). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق