الأربعاء، 21 فبراير 2018

20. مسائل تتعلق بالتيمم و نواقضه ... باب الطهارة

مسائل تتعلق بالنية في التيمم:
تجزئ نية رفع الحدث عن استباحة الصلاة: أصح أقوال العلماء أن التيمم يقوم مقام الماء مطلقًا، يستباح به ما يستباح بالماء، ويبقى بعد الوقت كما تبقى طهارة الماء بعده، وإذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة، والعكس، وهذا قول أكثر أهل العلم خلافًا لمالك، رحمه الله([1]).

قال شيخ الإسلام([2]): وهذا القول هو الصحيح، وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار، فإن الله جعل التيمم مطهرًا كما جعل الماء مطهرًا، فقال تعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ}([3])..... فمن قال: إن التراب لا يطهر من الحدث، فقد خالف الكتاب والسنة، وإذا كان مطهرًا من الحدث امتنع أن يكون الحدث باقيًا مع أن الله طهر المسلمين بالتيمم من الحدث، فالتيمم رافع للحدث، مطهر لصاحبه، لكنه رفع مؤقت إلى أن يقدر على استعمال الماء، فإنه بدل عن الماء، فهو مطهر ما دام الماء متعذرًا... اهـ.
قلت: فالتيمم يشرع لأجل الصلاة والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف وغير ذلك مما يشرع له الوضوء والغسل ما دام الماء متعذرًا.
ومن نوى بالتيمم رفع الحدث، أبيح له كل ما يستباح بالوضوء والغسل، والله أعلم.
من تيمم بنية رفع الجنابة فهل يجزئه عن الحدث؟
من تيمم بنية رفع الجنابة أجزأه ذلك عن الحدث في أصح قولي العلماء كأبي حنيفة والشافعي([4])، وهذا لأمرين:
1- أن طهارتهما واحدة فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول والغائط.
2- أن التيمم بدل عن استعمال الماء، فيأخذ حكمه، والراجح أن الغسل يغني عن الوضوء للحدث، فكذلك التيمم.
وأما إجزاء من نوى التيمم للحدث الأصغر عن الجنابة فمحل نظر، فمن نظر إلى العلة الأولى قال بالإجزاء، ومن نظر إلى أنه بدل عن الماء منعه.
وذهب مالك وأبو ثور والحنابلة وابن حزم([5]) إلى أنه لا يجزئ نية أحدهما عن الآخر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»([6]).
الكيفية الصحيحة للتيمم:
الكيفية الصحيحة للتيمم التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن:
(يضرب على الصعيد باليدين ضربة واحدة، ثم ينفخهما فيمسح بهما وجهه وكفَّيه)
وهذا مذهب الحنابلة وابن حزم، وبه قال جماعة من السلف، واختاره ابن تيمية([7]) ويدل على هذا:
12- حديث عمار بن ياسر وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما كان يكفيك» هكذا وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه([8]).
2- ويشهد له حديث أبي هريرة قال: «لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجده فانطلقت أطلبه فاستقبلت فلما رآني عرف الذي جئت له، فبال، ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه»([9]).
هذا، وقد ذهب فريق من العلماء إلى أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وبه قال الثوري والليث، وهو مروي عن ابن عمر، والشعبي والحسن البصري وغيرهم([10]) وحجتهم:
1- حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين»([11]).
2- حديث ابن عمر في قصة رجل مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حاجته فسلم عليه وفيه: «ضرب بيديه على الحائط، ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام.... » ([12]).
3- ما في رواية لحديث أبي جهيم وفيه: «... حتى قام إلى جدار فحتَّه بعصا كانت معه ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد عليَّ السلام»([13]).
4- حديث عمار «أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم»([14]).
قلت: والراجح أن التيمم ضربة واحدة للوجه واليدين إلى الرسغين كما تقدم، وذلك لأمرين:
1- أن أدلة المخالفين كلها ضعيفة لا يثبت منها حديث مرفوع.
2- أن حكم التيمم معلق على مطلق اليدين، فلم يدخل فيه الذراع، كقطع يد السارق، ويدل على هذا احتجاج ابن عباس على تحديد مكان القطع في السرقة المنصوص عليه، بقوله تعالى في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}([15]). وكانت السنة في القطع من الكفين.
نواقض التيمم
كل حدث ينقض الوضوء، فإنه ينقض التيمم، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من أهل الإسلام([16]).
مسائل تتعلق بالتيمم:
هل تصح الصلاة بالتيمم إذا وجد الماء قبل الشروع في الصلاة؟
قال ابن عبد البر([17]): وأجمع العلماء على أن من تيمم بعد أن طلب الماء فلم يجده، ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة – أن تيممه باطل لا يجزيه أن يصلى به، وأنه عاد بحاله قبل التيمم. اهـ.
من تيمم وصلى، ثم حضر الماء وهو في الصلاة فهل يتم صلاته أو يقطعها؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
الأول: يقطع الصلاة ويلزمه استعمال الماء ثم يستأنف الصلاة من أولها:
وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وبه قال الثوري وابن حزم([18]) وحجتهم:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك»([19]).
قالوا: وهذا واجد للماء.
2- قالوا: ولأنه قدر على استعمال الماء، فبطل تيممه كالخارج من الصلاة.
3- قالوا: ولأن التيمم طهارة ضرورة، فبطلت بزوال الضرورة، كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها.
الثاني: يمضي في صلاته ولا يقطعها:
وهو مذهب مالك والشافعي، ورواية ثانية عن احمد، وقيل: إنه رجع عنها، وبه قال أبو ثور، وداود، وابن المنذر([20])، وحجتهم:
1- قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}([21]) قالوا: قالوا: فلا يجوز له أن يخرج من الصلاة لذلك.
2- أن للطهارة وقتًا، وللصلاة وقتًا، وهو حينئذ غير متعبد بفرض الطهارة –بعد التلبس بالصلاة- فقد تيمم كما أُمر وخرج من فرض الطهارة بالتكبير، ولا يجوز نقض طهارة قد مضى وقتها، وإبطال ما صلى من الصلاة كما فرض عليه فأمر به إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع.
قلت: والأظهر –عندي- أنه يمضي في صلاته، لعدم ثبوت ما يوجب قطع الصلاة بعد الدخول فيها، كما أن الصائم –صيام كفارة- إذا شرع في صومه ثم وجد رقبة، فإنه لا يلغي صومه، والله أعلم.
من صلى بالتيمم، ثم حضر الماء وهو في الوقت فهل يعيد الصلاة؟
من صلى بالتيمم ثم حضر الماء وهو في الوقت فليس عليه إعادة الصلاة –في أصح قولي العلماء- كما ذهب إليه مالك والثوري والأوزاعي والمزني والطحاوي، وأحمد في إحدى الروايتين، وبه قال ابن حزم([22]).
بينما قال أبو حنيفة والشافعي([23]): عليه الإعادة عند القدرة على الماء.
وردَّ عليهما ابن حزم فقال: «أما قول أبي حنيفة والشافعي فظاهر الفساد، لأنه لا يخلو أمرهما له بالتيمم والصلاة من أن يكونا أمراه بصلاة هي فرض الله تعالى عليه، أو بصلاة لم يفرضها الله تعالى عليه، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن قال مقلدهما: أمراه بصلاة هي فرض عليه، قلنا: فلم يعيدها بعد الوقت إن كان قد أدى فرضه؟ وإن قالوا: بل أمراه بصلاة ليست فرضًا عليه، أقر بأنهما ألزماه ما لا يلزمه، وهذا خطأ». اهـ.
قلت: نعم، لا يجب عليه الإعادة، لكن يستحب أن يعيدها ما دام في الوقت –وحضر الماء- دون إيجاب:
لحديث أبي سعيد الخدري، قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة وأجزأتك صلاتك» وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجر مرتين»([24]).




([1]) المجموع (2/ 255)، والمغنى (1/ 158)، ومجموع الفتاوى (12/ 436)، والمبسوط (1/ 117).
([2]) مجموع الفتاوى (21/ 436).
([3]) سورة المائدة، الآية: 6.
([4]) المغنى (1/ 166).
([5]) المغنى (1/ 166)، والمحلى (2/ 138).
([6]) صحيح: أخرجه البخاري (رقم 1).
([7]) المغنى (1/ 159)، والمحلى (2/ 146)، والفتاوى (21/ 422).
([8]) صحيح: أخرجه البخاري (338)، ومسلم (798).
([9]) إسناده لين: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 159) ويشهد له ما قبله.
([10]) المبسوط (1/ 106)، والاستذكار (3/ 162)، والمجموع (2/ 242).
([11]) ضعيف: أخرجه الحاكم (1/ 179)، والبيهقي (1/ 207) ورجَّح وقفه.
([12]) ضعيف: أخرجه أبو داود (1/ 88)، والبيهقي (1/ 206) وأنكره الإمام أحمد.
([13]) منكر: أخرجه الشافعي في مسنده (130) والبيهقي (1/ 205) وقد خالفت رواية الصحيحين التي تقدمت.
([14]) مضطرب: أخرجه أبو داود (1/ 84)، وابن ماجه (571)، والنسائي (1/ 168)، والبيهقي (1/ 208).
([15]) سورة المائدة، الآية: 6.
([16]) المحلى لابن حزم (2/ 122).
([17]) الاستذكار (3/ 167).
([18]) المبسوط (1/ 120)، والمغنى (1/ 167)، والاستذكار (3/ 170)، والمحلى (2/ 126).
([19]) ضعيف واختلف في تحسينه: أخرجه الترمذي (124)، وأبو داود (329)، والنسائي (1/ 171) وقد تقدم في «الغسل».
([20]) الاستذكار (3/ 169)، والمجموع (2/ 357)، والأوسط (2/ 65).
([21]) سورة محمد، الآية: 33.
([22]) انظر المجموع (2/ 353)، والمحلى (2/ 139).
([23]) المجموع (2/ 353).
([24]) صححه الألباني: أخرجه أبو داود (334)، والنسائي (1/ 213). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق