الثلاثاء، 20 فبراير 2018

5. سنن الفطرة باب الطهارة

سنن الفطرة
ما المقصود بسنن الفطرة؟ وما هي؟

«سنن الفطرة» هي: الخصال التي إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها، وحشرهم عليها، واستحبها لهم، ليكونوا على أكمال الصفات، وأشرف صورة.
وهي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه([1]).
ويتعلق بخصال الفطرة مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبُّع، منها:
تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلاً([2]).
أما بعض هذه الخصال فقد ورد في:
1- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الآباط»([3]).
2- حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال مصعب أحد رواة الحديث-: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة»([4]).
والحاصل من الحديثين أن خصال الفطرة ليست منحصرة في هذه العشر، ولكن منها:
1- الختان.                   2- انتقاص الماء، أي: الاستنجاء.
3- السواك.                  4- تقليم الأظفار.
5- قص الشارب. 6- إعفاء اللحية.
7- الاستحداد، وهو حلق الشعر حول الفرج (شعر العانة).
8- نتف شعر الإبط.
9- غسل البراجم وهي: المواضع التي تتجمع فيها الأوساخ كعقد الأصابع ومعاطف الأذن ونحوها.
10- المضمضة والاستنشاق.
الختان
معناه وحكمه:
الختان: مصدر (ختن) أي: قطع، والختن: قطع الجلدة التي تغطي الحشفة من الذكر، وقطع الجلدة التي في أعلى فرج الأنثى([5]).
وأما حكمه: فللعلماء فيه ثلاثة أوجه:
1- أنه واجب على الذكر والأنثى.
2- أنه مستحب لهما.
3- أنه واجب على الذكر مستحب للأنثى.
قال ابن قدامة في «المغنى» (1/ 85): فأما الختان فواجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير أهل العلم. اهـ.
وقال النووي في «المجموع» (1/ 301): والمذهب الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء... اهـ.
قلت: أما ختان الذكر، فالظاهر انه واجب لما يأتي:
1- لأنه ملة إبراهيم عليه السلام: فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة»([6]).
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}([7]).
2- ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أسلم: «ألق عنك شعر الكفر واختتن»([8]).
3- أن الختان من شعار المسلمين وميزة لهم عن اليهود والنصارى، فكان واجبًا كسائر الشعائر.
4- أنه قطع شيء من البدن وهو حرام- والحرام لا يستباح إلا بواجب.
وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد، وشدد فيه مالك حتى قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته، ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة، لكن السنة عنده تركها إثم([9]).
أما الأنثى: فإنه يُشرع ختانها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الختانان وجب الغسل»([10]) والختانان: هما موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية، ففيه بيان أن البنات كُنَّ يختتنَّ.
وقد ورد في إيجاب الختان على الأنثى أحاديث لا يخلو أحدها من مقال، منها حديث أم عطية: أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل»([11]).
وفي رواية: «إذا خفضت فأشمِّي ولا تنهكي، فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج»([12]).
وهذه أحاديث ضعيفة الإسناد، وإن كان صححها العلامة الألباني في «السلسلة الصحيحة (722).
وإذا كان كذلك، فلقائل أن يقول: الختان واجب على النساء وإن كانت هذه الأحاديث ضعيفة كالرجال لأن الأصل تساويهما في الأحكام إلا ما دلَّ الدليل على التفريق، ولا دليل.
ولآخر أن يقول: بل هو مستحب ومكرمة للنساء وليس بواجب، ووجه التفريق([13]) بين الرجال والنساء، أن الختان في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة، لأنه إذا بقيت هذه الجلدة، فإن البول يبقى ويتجمع بها.
أما في حق المرأة فغاية فائدته: أنه يقلل من شهوتها، وهذا طلب كمال وليس من باب إزالة الأذى.
قلت: فختان الإناث دائر بين الاستحباب والوجوب، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الختان سنة للرجال مكرمة للنساء»([14]) لكنه ضعيف ولو صح لكان حاسمًا للنزاع، والله أعلم.
السواك
معناه ومشروعيته:
السواك: مأخوذ من (ساكَ) إذا دلَكَ، وهو في الاصطلاح: استعمال عود أو نحوه في الأسنان، ليذهب الصفرة وغيرها عنها([15]).
والسواك يستحب في جميع الأوقات لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»([16]).
ويتأكد استحباب السواك في الأوقات الآتية:
1- عند الوضوء: لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لولا أن أشق على أمتي، أمرتهم بالسواك مع الوضوء»([17]).
2- عند الصلاة: لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»([18]).
3- عند قراءة القرآن: لحديث عليٍّ قال: أُمرنا بالسواك، وقال: «إن العبد إذا قام يصلى أتاه ملك فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو، فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك»([19]).
4- عند دخول البيت: لحديث المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة، قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك.
5- عند القيام لصلاة الليل:
لحديث حذيفة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك»([20]) يعني: يدلك أسنانه بالسواك.
ويستحب في السواك استعمال عود «الأراك» فإن لم يجد فيجزئ غيره مما تحصل به تنقية الفم وتنظيف الأسنان، كاستعمال «فرشاة الأسنان» مع المعجون الخاص بذلك، والله أعلم.
هل في تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة توقيت معين؟
هذه الخصال لا تتوقَّت بوقت معين، وإنما الضابط فيها الحاجة، فأي وقت احتيج إلى الأخذ منها كان ذلك وقته.
لكي ينبغي أن لا يُترك شيء من هذا أكثر من أربعين يومًا:
لحديث أنس بن مالك قال: «وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة»([21]).
إعفاء اللِّحية
حكم إعفاء اللحية:
إعفاء اللحية واجب على الرجال، لما يأتي:
1- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها، والأمر للوجوب، وليس هناك قرينة تصرفه إلى الندب، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين: وفرِّوا اللِّحى، وأحفوا الشوارب»([22]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشوارب، وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس»([23]).
2- أن في حلقها تشبُّهًا بالكفار، كما في الحديثين السابقين.
3- أن حلقها من تغيير خلق الله، وطاعة للشيطان القائل {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}([24]).
4- أن في حلقها تشبُّهًا بالنساء وقد: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء»([25]).
ولذا قال شيخ الإسلام: «ويحرم حلق لحيته»([26]) ونقل ابن حزم وغيره الإجماع على حرمة حلق اللحية([27]).
هل يجوز قصُّ ما زاد عن القبضة من اللحية؟
ذهب بعض العلماء إلى جواز أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية، وتعلقوا بحديث ابن عمر «أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه»([28]).
قالوا: وهو راوي حديث الأمر بتوفير اللحية، فهو أعرف بمرويهِّ!
وليس لهم في هذا الأثر حجة لأمور([29]):
1- أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفعله إذا حلَّ من إحرامه في الحج والعمرة، وهم يجيزونه في كل حال.
2- أن فعل ابن عمر هذا مخرَّج على تأوُّله لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}([30]). في النسك أن الحلق للرأس، والتقصير من اللحية([31]).
3- أن الصحابي إذا قال أو فعل خلاف ما رواه، فإن العبرة بما رواه لا بفهمه وفعله، فالعبرة بالمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى ما تقدم فالصواب وجوب ترك اللحية وعدم الأخذ منها عملاً بعموم الأوامر الواردة في الأحاديث الصحاح (أعفوا.. أرخوا.. أرجوا.. وفروا.. أوفروا) كما ذهب إليه الجماهير من العلماء، والله أعلم.




([1]) نيل الأوطار (1/ 109)، وعمدة القاري للعيني (»/ 45).
([2]) فيض القدير للمناوي (1/ 38).
([3]) صحيح: أخرجه البخاري (5891)، ومسلم (257).
([4]) حسن: أخرجه مسلم (261)، وأبو داود (52)، والترمذي (2906)، والنسائي (8/ 126)، وابن ماجه (293).
([5]) انظر «تحفة المودود» لابن القيم (ص: 106، 132)، و«المجموع» (1/ 301).
([6]) صحيح: أخرجه البخاري (6298)، ومسلم (370).
([7]) سورة النحل، الآية: 123.
([8]) حسنه الألباني بشواهده: أخرجه أبو داود (356)، والبيهقي (1/ 172) وفي سنده مجهولان وانقطاع، لكن حسنه الألباني بشواهده التي عزاها إلى صحيح أبي داود (383)، في «الإرواء» (79) ولم أقف عليها، وقد ضعفه النووي والشوكاني.
([9]) «تحفة المودود» (ص: 113).
([10]) صحيح: أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه (611) وهو في الصحيحين بلفظ «ومس الختان الختان فقد وجب الغسل».
([11]) ضعيف: أخرجه أبو داود (5271) وضعَّفه.
([12]) منكر: أخرجه الخطب في «التاريخ» (5/ 327)، وانظر «جامع أحكام النساء» (1/ 19).
([13]) هذا الوجه أفاده العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- كما في «الممتع» (1/ 134).
([14]) ضعيف: أخرجه أحمد (5/ 75).
([15]) نيل الأوطار (1/ 102).
([16]) صحيح: أخرجه النسائي (1/ 50)، وأحمد (6/ 47، 62) وغيرهما.
([17]) أخرجه أحمد، وهو في «صحيح الجامع» (5316).
([18]) صحيح: أخرجه البخاري (6813)، ومسلم (252).
([19]) صحيح الألباني: أخرجه البيهقي (1/ 38)، وانظر «الصحيحة» (1213).
([20]) صحيح: أخرجه البخاري (246)، ومسلم (255).
([21]) صحيح: أخرجه مسلم (257) وغيره.
([22]) صحيح: أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (259).
([23]) صحيح: أخرجه مسلم (260).
([24]) سورة النساء، الآية: 119.
([25]) صحيح: أخرجه البخاري (5885)، والترمذي (2935).
([26]) «الاختيارات الفقهية» لعلاء الدين البعلي (ص 10)، وانظر «الفورع» لابن مفلح (1/ 291).
([27]) «مراتب الإجماع»، و«رد المحتار» (2/ 116).
([28]) صحيح: أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (259).
([29]) أفاده الشيخ الحبيب وحيد عبد السلام بالي –رفع الله قدره- في «الإكليل» (1/ 96).
([30]) سورة الفتح، الآية: 27.
([31]) انظر «شرح الكرماني على البخاري» (21/ 111) عن السابق. 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق