الأربعاء، 21 فبراير 2018

7. الوضوء تعريفه، ودليل مشروعيَّته: باب الطهارة

الوضوء
تعريفه، ودليل مشروعيَّته:
الوضوء لغة: من الوضاءه، وهي النظافة والنضارة، والوُضوء (بالضم): الفعل، و(بالفتح): ماؤه، ومصدر أيضًا أو لغتان([1]).
وفي الاصطلاح: استعمال الماء على أعضاء مخصوصة (الوجه واليدين والرأس والرجلين) يرفع به ما يمنع الصلاة ونحوها.

وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع:
(أ) فأما الكتاب، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}([2]).
(ب) وأما السنة، فمن ذلك:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقبَلُ صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»([3]).
2- وعن ابن عمر قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غُلول»([4]).
3- وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أُمرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة»([5]).
4- وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»([6]).
(جـ) وأما الإجماع، فقد اتفق علماء الأمة على أن الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة إذا وجد السبيل إليها([7]).
من فضائل الوُضوء:
(أ) أنه يعتبر نصف الإيمان: كما في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان.... » ([8]).
(ب) أنه يكفِّر صغائر الذنوب:
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضَّأَ العبد المسلم أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إلهيا مع قطر الماء أو مع آخر قطر الماء-، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيًّا من الذنوب»([9]).
2- وعن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ هكذا غفر له ما تقدَّم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة»([10]).
ويتأكد هذا الفضل والثواب لمن صلى عقب هذا الوضوء فريضة أو نافلة:
3- ففي حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فصلى ركعتين لا يحث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه»([11]).
(جـ) أنه يرفع درجات العبد:
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدراجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط»([12]).
(د) أنه سبيل إلى الجنة:
1- فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، إني سمعت دفَّ نعليك بين يديَّ في الجنة». قال: «ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي»([13]).
2- وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين، يُقبِل عليهما بقلبه ووجهه، وجبت له الجنة»([14]).
(هـ) أنه علامة تميِّز هذه الأمة عند ورود الحوض:
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله- بكم عن قريب لاحقون، وددت لو أنا قد رأينا إخواننا» قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد» فقالوا: كيف تعرف من لم يأت من أمتك يا رسول الله؟ قال: «أرأيت لو أن رجلاً له خيل غُرٌّ محجَّلة بين ظَهْري خيل دُهْم بهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون غُرًّا مُحجَّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليَادَنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال أناديهم ألا هَلُمَّ فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا»([15]).
والغرة: اللمعة البيضاء تكون في جبهة الفرس، والمراد هنا: النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والتحجيل: بياض يكون في ثلاثة قوائم من قوائم الفرس، والمراد به أيضًا: النور([16]).
(و) أنه نور للعبد يوم القيامة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمنين حيث يبلغ الوضوء»([17]) والحلية هي: النور يوم القيامة.
(ز) أنه حلٌّ لعقدة الشيطان:
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّتْ عقدة، فإن توضأ انحلَّت عقدة، فإن صلى انحلَّت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»([18]).
صفة الوضوء الكامل (إجمالاً):
عن حُمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفَّيه ثلاث مرارٍ، فغسلها، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق [واستنثر] ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه»([19]).
ومن هذا الحديث وغيره مما سيأتي تفصيله- يمكن أن نلخص صفة الوضوء فيما يأتي:
1- ينوي الوضوء لرفع الحدث.
2- يذكر اسم الله تعالى.
3- يغسل كفيه ثلاث مرات.
4- يأخذ الماء بيمينه فيجعله في فمه وأنفه من غرفة واحدة- فيتمضمض ويستنشق.
5- ثم يستنثر بشماله، يفعل هذا ثلاث مرات.
6- يغسل وجهه كله ثلاث مرات مع تخليل لحيته.
7- بغسل يديه اليمنى ثم اليسرى- إلى ما فوق المرفقين مع تخليل أصابع اليدين.
8- يمسح رأسه كله مدبرًا ومقبلاً مرة واحدة.
9- يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما.
10- يغسل قدميه مع الكعبين اليمنى ثم اليسرى- مع تخليل أصابع القدمين.
النية شرط([20]) لصحة الوضوء:
يشترط لصحة الوضوء: النية، وهي عزم القلب على فعل الوضوء امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما هو الشأن في سائر العبادات المحضة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}([21]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى... » ([22]) وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود([23]).
بينما ذهب أبو حنيفة إلى أن الوضوء لا يشترط له النية([24]) بناء على أنه عبادة معقولة وليست مقصودة لذاتها فأشبهت طهارة الخبث، وقول الجمهور هو الصواب، «لأن النص قد دلَّ على الثواب في كل وضوء، ولا ثواب لغير مَنْوى إجماعًا، ولأنه عبادة لا تعلم إلا بالشرع فكانت النية شرطًا فيها»([25]).
النية محلها القلب:
قال شيخ الإسلام([26]) رحمه الله-: محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات: الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والعتق والجهاد وغير ذلك... اهـ.
فلا يشرع الجهر بها ولا تكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه وتعزيره بعد تعريفه لا سيما إذا آذى به وكرره، والجاهر بالنية مسيء، ولو اعتقده دينًا وتعبد الله بالنطق بها فقد ابتدع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا ينطقون بالنية مطلقًا، ولم يحفظ عنهم ذلك، ولو كان مشروعًا لبينه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ثم إنه ليس هناك حاجة إلى التلفظ بالنية لأن الله يعلم بها([27]).
فوائد:
1- قال شيخ الإسلام: «.. ولو تكلم بلسانه بخلاف ما نوى في قلبه كان الاعتبار بما نوى لا بما لفظ، ولو تكلم بلسانه ولم تحصل النية في قلبه لم يجز ذلك باتفاق أئمة المسلمين، فإن النية هي جنس القصد والعزم... » اهـ.
2- إذا اجتمعت أحداث توجب الوضوء (كما لو بال ثم تغوط ثم نام... ) فإن نوى رفع الحدث عن واحد منها ارتفع عن الجميع على الصحيح- لأن الحدث وصف واحد وإن تعددت أسبابه([28]).
3- الأَوْلى أن ينوي المتوضئ رفع الحدث مطلقًا خروجًا من خلاف العلماء في إجزاء بعض صور النية عن سائرها، وهذه الصور هي: أن ينوي رفع الحدث، أو أن ينوي الطهارة لما تجب له، أو أن ينوي الطهارة لما تسن له، أو أن ينوي تجديد الوضوء المسنون([29]).



([1]) «القاموس» (1/ 33)، و«مختار الصحاح» (575)، و«المجموع» (1/ 355).
([2]) سورة المائدة، الآية: 6.
([3]) صحيح: أخرجه البخاري (135)، ومسلم (225) وغيرهما.
([4]) صحيح: أخرجه مسلم (224).
([5]) صحيح: أخرجه الترمذي (1848)، وأبو داود (3760)، والنسائي (1/ 73)، وانظر «صحيح الجامع» (2333).
([6]) حسن لغيره: أخرجه الترمذي (3)، وأبو داود (60)، وابن ماجه (275)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (5761).
([7]) «الأوسط» لابن المنذر (1/ 107).
([8]) صحيح: أخرجه مسلم (223) وغيره.
([9]) صحيح: أخرجه مسلم (244) وغيره.
([10]) صحيح: أخرجه مسلم (229) وغيره.
([11]) صحيح: أخرجه البخاري (6433)، مسلم (226) وغيرهما.
([12]) صحيح: أخرجه مسلم (251) وغيره.
([13]) صحيح: أخرجه البخاري (1148)، ومسلم (2458).
([14]) صحيح: أخرجه مسلم (235)، والنسائي (1/ 80) وغيرهما.
([15]) صحيح: أخرجه مسلم (235)، والنسائي (1/ 80).
([16]) «شرح مسلم» للنووي (3/ 100).
([17]) صحيح: أخرجه مسلم (250)، والنسائي (1/ 80).
([18]) صحيح: أخرجه البخاري (1142)، ومسلم (776).
([19]) صحيح: أخرجه البخاري (158)، ومسلم (226).
([20]) الشرط: هو ما يلزم من عدم العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ويكون الشرط سابقًا على الفعل خارجًا عن ماهيته.
([21]) سورة البينة، الآية: 5.
([22]) صحيح: أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
([23]) «بداية المجتهد» (1/ 6)، و«المجموع» (1/ 347)، و«التمهيد» (22/ 100، 101).
([24]) «بدائع الصنائع» (1/ 19- 20) وانظر السابق.
([25]) نحوه في «الفروع» لابن مفلح (1/ 111).
([26]) «مجموعة الرسائل الكبرى» (1/ 243).
([27]) انظر: زاد المعاد (1/ 196)، وإغاثة اللهفان (1/ 134)، وبدائع الفوائد (3/ 186)، و«الفروع» (1/ 111)، و«الشرح الممتع» (1/ 159).
([28]) انظر «المجموع» (1/ 385)، و«الشرح الممتع» (1/ 165).
([29]) انظر خلاف العلماء في هذه المسائل في «المجموع» (1/ 385) وما بعدها. 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق