الثلاثاء، 20 فبراير 2018

3. هل المني و الخمر و الدم من النجاسات؟ باب الطهارة

هل يُعَدُّ المني طاهرًا أم نجسًا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:


القول الأول: يقول بنجاسة المني وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو رواية عن أحمد واستدلوا على ذلك بحديث عائشة لما سئلت عن المني يصيب الثوب فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء»([1]). والغسل لا يكون إلا لشيء نجس.
القول الثاني: قال أصحابه بطهارة المني وممن قال بذلك الشافعي وداود وهو أصح الروايتين عن أحمد واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في المني قال: «كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم»([2]).
وبحديثها أيضًا أن ضيفًا نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا فيصلى فيه»([3]). والاكتفاء بالفرك يدل على طهارته.
وقد أجاب القائلون بالنجاسة بأن الفرك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير كما أن تطهير النعل يكون بمسحها في التراب.
ويجاب عن هذا([4]) بأن فرك عائشة للمني تارة وغسله تارة أخرى لا يقتضي تنجيسه، فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ، وهكذا قال غير واحد من الصحابة: كسعد بن أبي وقاص، وابن عباس وغيرهما: «إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، أمطه عنك ولو بإذخرة».
فظهر بهذا أن فعل عائشة رضي الله عنها، إنما هو من باب اختيار النظافة([5]).
ويتأيد الحكم بطهارة المني أن الصحابة كانوا يحتلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المني يصيب بدن أحدهم وثيابه، وهذا مما تعم به البلوى، فلو كان نجسًا لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإزالته كما أمرهم بالاستنجاء...، ولم ينقل أحد هذا، فعلم يقينًا أن إزالته لم تكن واجبة، والله أعلم([6]).
هل تُعَدُّ الخمر من النجاسات؟
اختلف العلماء في حكم الخمر على قولين:
الأول: أنها نجسة: وهو مذهب جمهور العلماء، منهم الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام، وحجتهم:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([7]).
قالوا: الرجس هو النجس، فحكموا بنجاسة عين الخمر نجاسة حسية.
القول الثاني: أنها طاهرة: وبه قال ربيعة والليث والمزني وغيرهم من السلف، ورجَّحه الشوكاني والصنعاني وأحمد شاكر والألباني رحمهم الله- وهو الراجح، لما يأتي:
[1] أنه ليس في الآية دلالة على نجاسة الخمر، وذلك من أوجه:
(أ) أن لفظة (رجس) من المشتركات اللفظية، فهي تحتمل معان كثيرة([8])، منها: القذر، المحرم، القبيح، العذاب، اللعنة، الكفر، الشر، الإثم، والنجس وغيرها.
(ب) أننا لم نقف على قول لأحد من السلف فسَّر الرجس في هذه الآية بالنجس بل قال ابن عباس: (الرجس: السخط) وقال ابن زيد: (الرجس: الشر).
(جـ) أن لفظة (رجس) قد وردت في كتاب الله في غير هذه الآية- في ثلاثة مواضع وليس في واحد منها (الرجس) بمعنى النجس: فالرجس في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}([9]). معناه: العذاب وفي قوله في شأن المنافقين: {إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}([10]). المراد: علمهم رجس أي قبيح.
وفي قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}([11]). سمى الأوثان رجسًا لأنها سبب الرجز والعذاب، وليس المراد بها النجاسة الحسية، فإن عين الحجارة والأوثان ليست بنجسة، وفي قوله {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ.... فَإِنَّهُ رِجْسٌ} محتمل...
(د) لما وقع الخمر في الآية مقترنًا بالأنصاب والأزلام كان ذلك قرينة صارفة لمعنى الرجسية إلى غير النجاسة الشرعية، وهكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}([12]). لما جاءت الأدلة الصحيحة المقتضية لعدم نجاسة ذوات المشركين.
(و) أن تحريم الخمر لا يستلزم نجاستها، أما النجاسة فإنه يلازمها التحريم فإنه يحرُم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة شرعًا وإجماعًا.
(هـ) أن (الرجس) في الآية مقيد بكونه (من عمل الشيطان) فهو رجس عملي بمعنى قبيح أو محرم أو إثم، وليس رجسًا عينيًا تكون به هذه الأشياء نجسة.
[2] ومما يستدل به على طهارة الخمر: حديث أنس في قصة تحريم الخمر، وفيه «... فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت،.... قال: فخرجت فأهرقتها فجرت في سكك المدينة»([13]).
[3] وفي حديث الرجل الذي كان معه مزادتان فيهما خمر: «... فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله الذي حرم شربها حرم بيعها، ففتح [الرجل] المزادتين حتى ذهب ما فيهما... » ([14]).
فلو كانت الخمر نجسة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء على الأرض لتطهيرها كما أمر بالصب على بول الأعرابي، ولأمرهم بالاحتراز منها.
ولو كانت نجسة لأمر صاحب المزادتين بغسلهما.
[4] أن الأصل الطهارة، ولا ينقل عنها إلا ناقل صحيح، ولم يقم الدليل على النجاسة فتبقى على الأصل. والله أعلم.
هل يعتبر الدم من النجاسات؟
الدم على أقسام:
1- دم الحيض: وهو نجس باتفاق العلماء، وقد تقدم الدليل على نجاسته.
2- دم الإنسان([15]): وهو مختلف فيه، فالمشهور عند أصحاب المذاهب الفقهية أن الدم نجس، وليس عندهم حجة، إلا أنه محرم بنص القرآن في قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}([16]). فاستلزموا من التحريم النجاسة كما فعلوا في الخمر ولا يخفى ما فيه، لكن نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على نجاسته، وسيأتي الكلام في ذلك.
بينما ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشوكاني وصديق خان والألباني وابن عثيمين رحمهم الله- إلى القول بطهارته لعدم ثبوت الإجماع عندهم، واستدلوا كذلك بما يأتي:
1- أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم الليل على النجاسة، ولا نعمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل دمْ غير دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ونحوها، فلو كان الدم نجسًا لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى ذلك.
2- أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم، وقد يسيل منهم الدم الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بغسله، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزًا شديدًا:
- قال الحسن: «ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم»([17]).
وفي حديث الصحابي الأنصاري «الذي قام يصلي في الليل، فرماه المشرك بسهم، فوضعه، فنزعه، حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ومضى في صلاته وهو يموج دمًا»([18]).
قال الألباني([19]) رحمه الله -: وهو في حكم المرفوع، لأنه يُستبعد عادة أن لا يطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلو كان الدم الكثير ناقضًا لبينه صلى الله عليه وسلم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول، وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفى ذلك عليه، فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فلو كان ناقضًا أو نجسًا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد. اهـ.
وفي حديث مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «صلى عمر وجُرحه يثعب دمًا»([20]).
أي: يجري دمًا.
3- لحديث عائشة في قصة موت سعد بن معاذ- قالت: «لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل في الأكحل، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب.... فبينما هو ذات ليلة إذ تفجر كَلْمُه فسال الدم من جرحه حتى دخل خباء إلى جنبه، فقالوا: يا أهل الخباء ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فنظروا، فإذا سعد قد انفجر كَلْمُه والدم له هدير فمات»([21]).
قلت: ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصب الماء عليه لا سيما وهو في المسجد كما أمر بالصب على بول الأعرابي.
4- أن ابن رشد لما ذكر اختلاف العلماء في دم السمك، ذكر أن السبب في اختلافهم هو اختلافهم في ميتته، فمن جعل ميتته داخلة تحت عموم التحريم جعل دمه كذلك ومن أخرج ميتته أخرج دمه قياسًا على الميتة.
ونقول: هم يقولون بطهارة ميتة الآدمي، فكذلك دمه على قاعدتهم.
ولذا قال ابن رشد عقبه: «والنص إنما دلَّ على نجاسة دم الحيض، وما سوى ذلك فهو على الأصل المتفق عليه بين المتنازعين، وهو الطهارة، فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة» اهـ.
فإن قيل: ألا يقاس على دم الحيض، ودم الحيض نجس؟
قلنا: هذا قياس مع الفارق:
فإن دم الحيض دم طبيعة وجبلة النساء، قال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم»([22]) وقال في الاستحاضة: «إنه دم عرق»([23]).
ثم إن دم الحيض دم غليظ منتن له رائحة مستكرهة، فأشبه البول والغائط، لا الدم الخارج من غير السبيلين.
3- دم الحيوان مأكول اللحم: والقول فيه كالقول في دم الآدمي من جهة عدم الدليل على النجاسة، فتستصحب البراءة الأصلية.
ويؤيد القول بطهارته أيضًا:
حديث ابن مسعود قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها، فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد، فيضعه على كتفيه، فانبعث أشقاهم، فملا سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا فضحكوا.... الحديث»([24]).
فلو كان دم الجزور نجسًا لألقى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه، أو خرج من صلاته.
وقد صح «أن ابن مسعود صلى وعلى بطنه فرث ودم جزور نحرها ولم يتوضأ»([25]).
وإن كان هذا الأثر قد يُنازع في الاستدلال على طهارة دم الحيوان، لأن ابن مسعود لم يكن يرى طهارة البدن والثوب شرطًا لصحة الصلاة، ويرى أنها مستحبة.
قلت: لو ثبت الإجماع على نجاسة الدم لم نلتفت إلى أدلة المتأخرين، وإن لم يثبت فالأصل الطهارة ولسنا بحاجة إلى هذه الأدلة، والذي ظهر لي بعد اختياري للقول بالطهارة على مدى عشر سنوات- أن الإجماع في المسألة ثابت، قد نقله غير واحد من أهل العلم ولم يثبت ما ينقضه، وأعلى هذه النقولات ما نقل عن الإمام أحمد ثم ما نقله ابن حزم خلافًا لمن ظن أن مذهبه القول بالطهارة!!- ومما وقفته من ذلك:
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 240):
سئل أحمد: الدم والقيح عندك سواء؟ قال: لا، الدم لم يختلف الناس فيه.
وقال مرة: القيح والصديد والمدة عندي أسهل من الدم. اهـ.
وقد نقل ابن حزم في مراتب الإجماع: اتفاق العلماء على نجاسة الدم.
وكذا نقل هذا الاتفاق الحافظ في «الفتح» (1/ 420).
وقال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 230):
وحكم كل دم كدم الحيض إلا أن قليل الدم متجاوز عنه لشرط الله عز وجل في نجاسة الدم أن يكون مسفوحًا فحينئذ هو رجس والرجس نجاسة وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس. اهـ.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 79):
اتفق العلماء عل أن الدم حرام نجس لما يؤكل ولا ينتفع به، وقد عينه الله تعالى هاهنا مطلقًا، وعينه في سورة الأنعام مقيدًا بالمسفوح، وحمل العلماء هاهنا المطلق على المقيد إجماعًا. اهـ.
وقال النووي في المجموع (2/ 576):
والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافًا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال: هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف. اهـ.
قلت (أبو مالك): الذي يترجح لدى أن الدم نجس لثبوت الإجماع حتى ينقل عن إمام يتقدم على أحمد رحمه الله- القول بالطهارة، والله أعلم.
هل «قيء الآدمي» نجس؟
قد تقدم مرارًا أن الأصل في جميع الأشياء: الطهارة، وأنه لا ينقل عن ذلك الأصل إلا بناقل صحيح للاحتجاج به، غير معارض بما يرجح عليه أو يساويه، فإن وجدنا ذلك فبها ونعمت، وإن لم نجد ذلك وجب علينا الوقوف في موقف المنع لمدعي النجاسة، لأن هذه الدعوى تفيد أن الله تعالى قد أوجب على عباده غسل هذه الأعيان، التي يزعم أنها نجسة وأن وجودها يمنع الصلاة بها، فما الدليل على ذلك؟!
والقيء ونحوه من هذا القبيل فلم يصح فيه ما ينقله عن الطهارة الأصلية، وقد ورد فيه حديث عمار: «إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والقيء والدم والمني» لكنه ضعيف لا يحتج به. والله أعلم.
وقد ثبت عن أبي الدرداء «أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ»([26]).
وليس في هذا الحديث دلالة على نجاسة القيء، وليس فيه دليل على وجوب الوضوء منه، ولا يدل على نقض الوضوء به، وإنما غايته مشروعية الوضوء من القيء، لأن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب.
هذا على أنه ليس كل ما ينقض الوضوء يُعدَّ نجسًا، وإلى هذا ذهب ابن حزم واختاره شيخ الإسلام في الفتاوى.
ما حكم الإفرازات التي تخرج من فرج المرأة وما يسمى برطوبة فرج المرأة؟
للعلماء في رطوبة فرج المرأة مذهبان([27]):
الأول: أنه نجس: لأنه في الفرج لا يخلق منه الولد، أشبه المذي، واستدلوا، بحديث زيد بن خالد أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يُمْنِ؟ قال عثمان: «يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره» قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.... الحديث([28]).
وحديث أبي بن كعب أنه قال: يا رسول الله، إذا جامع الرجل المرأة فلم يُنزل؟
قال: «يغسل ما مسَّ المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي»([29]).
قالوا: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل ما أصيب من فرج المرأة دليل على نجاسة رطوبة الفرج.
واعترض: بأن الحديثين منسوخان([30]) بأحاديث الأمر بالغُسل كما سيأتي في موضعه، إن شاء الله تعالى.
وبأنه يحتمل أن يكون الأمر بالغسل من أجل المذي الذي يخرج منه أو منها.
واستدلوا كذلك على نجاسته بكونه خارجًا من أحد السبيلين، والقاعدة: «أن ما خرج من السبيلين فهو نجس عدا المني».
القول الثاني: أن إفرازات الفرج طاهرة([31]): ويستدل لهذا المذهب بما يلي:
1- أن عائشة رضي الله عنها كانت تفرك المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وهو من جماع فإنه ما احتلم نبي قط([32])، وهو يلاقي رطوبة الفرج، ولأننا لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة لحكمنا بنجاسة منيها، لأنه يخرج من فرجها فيتنجس برطوبته.
2- أن هذه الإفرازات أمر لا يخفى، وهي كثيرة في النساء، ولا شك أنه كان موجودًا في النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كنساء زماننا، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن بالغسل منه أو الوضوء منه.
3- أن مخرج هذه الإفرازات غير مخرج البول النجس.
4- أن قول الفقهاء (كل ما خرج من السبيلين نجس، عدا المني) فهذا ليس قولاً عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ولم ينعقد عليه إجماع الأمة، بل قد ورد أن بعض ما يخرج من السبيلين لا ينقض الوضوء كدم الاستحاضة على ما سيأتي في موضعه، إن شاء الله.
قلت: والذي يترجح عندي التفصيل: فإن كانت هذه الإفرازات تخرج من المرأة عند ملاعبة الزوج أو إرادة الجماع ونحوه خاصة، فهذا هو المذي، وقد عرفت أنه نجس يجب غسله، وأنه ناقض للوضوء.
وأما إذا كانت هذه الإفرازات تخرج من فرج المرأة في غالب الأوقات، وتزداد أثناء الحمل، وعند بذل المجهود أو المشي الكثير، فهذه طاهرة على الأصل لعدم الدليل على نجاستها، والله أعلم.
ما يعفى عنه من النجاسات:
تعدد أقوال الفقهاء في نوع وقدر النجاسة التي قد تصيب الثوب أو المكان أو البدن ويكون معفوًّا عنها([33]).
إلا أن الضابط لما يُعفى عنه من النجاسات هو الضرورة أو عموم البلوى مع تعذُّر الاحتراك منها، وحصول الحرج والمشقة في إزالتها.




([1]) متفق عليه. البخاري (230)، ومسلم (289).
([2]) صحيح: مسلم (288).
([3]) صحيح: مسلم (288).
([4]) «مجموع الفتاوى» (21/ 605).
([5]) شرح مسلم.
([6]) «مجموع الفتاوى» (21/ 604).
([7]) سورة المائدة، الآية: 90.
([8]) انظر «النهاية» لابن الأثير، و«لسان العرب»، و«مختار الصحاح»، والتفاسير.
([9]) سورة الأنعام، الآية: 125.
([10]) سورة التوبة، الآية: 95.
([11]) سورة الحج، الآية: 30.
([12]) سورة التوبة، الآية: 28.
([13]) صحيح: البخاري (2332)، ومسلم (1980).
([14]) صحيح: أخرجه مسلم (1206)، ومالك (1543).
([15]) تفسير القرطبي (2/ 221)، والمجموع (2/ 511)، والمحلى (1/ 102)، والكافي (1/ 110)، وبداية المجتهد، والسيل الجرار (1/ 31)، والشرح الممتع (1/ 376)، والسلسلة الصحيحة، وتمام المنة (ص 50).
([16]) سورة الأنعام، الآية: 145.
([17]) إسناده صحيح: رواه البخاري معلقًا (1/ 336) ووصله ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في الفتح (1/ 337).
([18]) صحيح: علقه البخاري (1/ 336) ووصله أحمد وغيره وهو صحيح.
([19]) «تمام المنة» (51، 52).
([20]) صحيح: أخرجه مالك (82) وعنه البيهقي (1/ 357) وغيره بسند صحيح.
([21]) صحيح: أخرجه أبو داود (3100) مختصرًا، والطبراني في «الكبير» (6/ 7).
([22]) صحيح: البخاري (294)، ومسلم (1211).
([23]) صحيح: البخاري (327)، ومسلم (333).
([24]) صحيح: البخاري (240)، وسملم (1794).
([25]) إسناده صحيح: مصنف عبد الرزاق (1/ 25)، وابن أبي شيبة (1/ 392).
([26]) صحيح: أخرجه أبو داود (2381)، والترمذي (87)، وأحمد (6/ 443) وغيرهم.
([27]) المغنى (2/ 88)، والمجموع (1/ 570).
([28]) صحيح الإسناد: أخرجه البخاري (292)، ومسلم (347) وهو منسوخ.
([29]) صحيح الإسناد: أخرجه البخاري (293)، ومسلم (346) وهو منسوخ.
([30]) انظر «فتح الباري» (1/ 473).
([31]) انظر «جامع أحكام النساء» (1/ 68) لشيخنا مصطفى بن العدوي حفظه الله.
([32]) كذا قال في «المغنى» (2/ 88) وقال شيخنا: هذا يحتاج إلى نص من الكتاب أو السنة، ولم نقف على نص في مثل هذا.
([33]) «الفقه الإسلامي وأدلته» (169- 177). 
Post a Comment

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق