ركن الغسل: تعميم جميع البدن بالماء:
فحقيقة الغسل: إفاضة الماء على جميع الجسد، ووصوله إلى كل الشعر والبشرة، وهذا
ثابت في جميع الأحاديث الواصفة لغسل النبي صلى الله عليه وسلم –وسأذكرها قريبًا-
ومن ذلك ما في حديث عائشة رضي الله عنها: «... ثم يفيض على جسده كله»([1])
قال الحافظ في «الفتح» (1/ 361): هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل. اهـ.
وفي حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أما أنا فآخذ ملء
كفي ثلاثًا فأصبُّ على رأسي، ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي»([2]).
ويدلُّ على أن تعميم البدن بالماء هو فرض الغسل لا غيره، حديث أم سلمة قالت:
قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضُفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: «لا، إنما
يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين»([3]).
وأما دلك الأعضاء والمضمضة والاستنشاق في الغسل، فالراجح في كل هذا
الاستحباب كما يأتي تحريره، وهو مذهب الجمهور.
المستحبَّات في الغسل (صفة الغسل الكامل):
العمدة في هذا الباب حديثان:
1- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان إذا اغتسل
من الجنابة: بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخل أصابعه في الماء،
فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب [وفي رواية: حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض] على
رأسه ثلاث غُرَف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله»([4]).
2- حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: «وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماءً
للغسل [وسترته] فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ [بيمينه] على شماله، فغسل
مذاكيره (وفي رواية: فرجه وما أصابه من الأذى) ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط [ثم
غسلها] ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه، ثم صب على جسده ثم تنحى فغسل
قدميه، فناولته خرقة فقال بيده هكذا ولم يرُدْها»([5]).
قلت: من هذين الحديثين وغيرهما نخلص إلى أن المستحب أن يكون غسل الجنابة
على الصفة الآتية: (بعد أن ينوي رفع الحدث الأكبر):
1- يغسل يديه ثلاثًا قبل إدخالها في الإناء أو بدء الغسل: لما في حديث
عائشة: «بدأ فغسل يديه... » وفي لفظ مسلم (317) لحديث ميمونة: «فغسل كفيه مرتين أو
ثلاثًا ثم أدخل يده في الإناء... ».
قال الحافظ في الفتح (1/ 429): يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من
مستقذر، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم. اهـ.
2- يغسل فرجه وما أصابه من الأذى بشماله: لما في حديث ميمونة، وأما إمساك
الفرج باليمين فمكروه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره
بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء»([6]).
3- يغسل يده –بعد غسل فرجه- وينقيها بالصابون ونحوه كالتراب: ففي حديث
ميمونة: «ثم قال بيده الأرض فمسحها بالتراب ثم غسلها... » وفي لفظ «ثم ضرب بشماله
الأرض، فدلكها دلكًا شديدًا»([7]).
قال النووي في «شرح مسلم» (3/ 231): «فيه أنه يستحب للمستنجي بالماء إذا
فرغ أن يغسل يده بالتراب أو أشنان [نحو الصابون] أو يدلكها بالتراب أو بالحائط
ليذهب الاستقذار منها» اهـ.
4- يتوضأ وضوءًا كاملاً كالوضوء للصلاة: وهو ثابت في حديثي عائشة وميمونة. قال
الحافظ في «الفتح» (1/ 429): «يحتمل أن يكون الابتداء بالوضوء قبل الغُسل سنة
مستقلة، بحيث يجب غسل أعضاء الوضوء مع بقية الجسد في الغسل، ويحتمل أن يكتفي
بغسلهما في الوضوء عن إعادته، وعلى هذا فيحتاج إلى نية غسل الجنابة في أول عضو، وإنما
قدَّم غسل أعضاء الوضوء تشريفًا لها، ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبر» اهـ.
قلت: والوضوء قبل الاغتسال سنة عند جماهير العلماء خلافً لأبي ثور وداود
الظاهري([8]).
فائدتان:
الأولى: حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل:
قد تقدم في «الوضوء» أن للعلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء
والغسل أربعة أقوال، فأما الوضوء فقد رجحنا هناك أنه يجب فيه المضمضة والاستنشاق، وأما
الغسل:
فذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، ومشهور مذهب أحمد وعطاء وابن المبارك إلى
أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل([9])،
ومما استدلوا به:
1- ما رُوى مرفوعًا: «المضمضة والاستنشاق ثلاثًا للجنب فريضة»([10]).
2- ما رُوى مرفوعًا: «من ترك موضع شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا
في النار»([11]).
3- ما رُوى مرفوعًا: «أداء الأمانة غسل الجنابة، وتحت كل شعرة جنابة»([12]).
وكل هذه أحاديث ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها.
4- فعل النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في حديث ميمونة (بدلالة الظاهر9
وفي حديث عائشة (ضمن الوضوء) فهو بيان لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً
فَاطَّهَّرُواْ}([13]).
5- أن غسل جميع البدن واجب والوجه منه، فوجب المضمضة والاستنشاق، لأنهما من
الوجه كما قلنا في الوضوء.
بينما ذهب مالك والشافعي والليث والأوزاعي وهم الجمهور، إلى أنهما سنة في
الغسل واستدلوا بما يأتي:
1- أن الوضوء في الغسل غير واجب [كما تقدم] والمضمضة والاستنشاق من توابع
الوضوء، فإذا سقط الوضوء، سقطت توابعه([14]).
2- أن فعله صلى الله عليه وسلم لهما في الغسل لا يدل بمجرده على الوجوب لكن
على الندب والاستحباب، ولا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانًا لمجمل تعلَّق به الوجوب،
وليس الأمر هنا كذلك([15]).
3- قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر –لما سأله عن الجنابة تصيبه ولا
يجد الماء-: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجد الماء
فليمسه بشرته»([16]).
قالوا: والبشرة ظاهر الجلد، فلا يدخله المضمضة والاستنشاق.
4- حديث جبير بن مطعم قال: تذاكرنا غسل الجنابة عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: «أما أنا فآخذ ملء كفِّي ثلاثًا فأصب على رأسي، ثم أفيض بعد ذلك
على سائر جسدي»([17]).
وفي لفظ: «أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات من ماء فإذا أنا قد طهرت»([18])
ولا يصح هذا اللفظ.
5- قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث
حثيات من ماء ثم تفيضين عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت»([19]).
قلت: لولا حديث أم سلمة الأخير لكان لإيجاب المضمضة والاستنشاق وجه قوي، لكن
حديث أم سلمة يدل دلالة أكيدة على أن القدر المجزئ في الغسل هو المذكور وليس فيه
ذكر المضمضة والاستنشاق، ولا يقال: إنهما داخلان في قوله (ثم تفيضين عليك الماء)
فإن معنى الإفاضة لا يتناولهما كما هو واضح، فيترجَّح لي مذهب الجمهور من استحباب
المضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوجوب، والله أعلم.
الثانية: متى يكون غسل الرجلين؟
الظاهر من حديث ميمونة أنه صلى الله عليه وسلم أخَّر قدميه حتى أتمَّ غسله،
ففي لفظ البخاري (260): «... فلما فرغ من غسله غسل رجليه».
وأما حديث عائشة فليس فيه إلا أنه كان يتوضأ قبل الغسل([20])،
فكان للعلماء في هذين الحديثين أربعة اتجاهات([21]):
الأول: أنه يستحب تأخير غسل الرجلين في الغسل، لحديث ميمونة وهو مذهب
الجمهور.
الثاني: أنه يتوضأ وضوءًا كاملاً قبل الغسل، لحديث عائشة لأنه إخبار بغالب
فعله صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث ميمونة فإنها أخبرت عن غسل واحد، وهو مذهب
الشافعي ورواية عن مالك وأحمد.
الثالث: أنه مخيَّر بين تقديم غسل الرجلين مع الوضوء أو تأخيره، وهو رواية
عن أحمد.
الرابع: إذا كان يغتسل في مكان غير نظيف أخر رجليه، وإلا قدَّمه مع الوضوء،
وهو مذهب مالك.
قلت: وهذا الأخير أرجح، وعلى كلٍّ فالأمر فيه واسع والله أعلم.
5- يفيض الماء على رأسه ثلاثًا حتى يبلغ أصول الشعر.
6- ويبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر.
7- مع تخليل الشعر.
ففي حديث عائشة: «ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض
عليه الماء ثلاث مرات.... ».
وعنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء
نحو الحلاب([22])،
فأخذ بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، فقال بهما على رأسه»([23]).
وعنها قالت: «كنا إذا أصاب إحدانا جنابة، أخذت بيدها ثلاثًا فوق رأسها، ثم
تأخذه بيدها على شقِّها الأيمن، وبيدها الأخرى على شقها الأيسر»([24]).
فائدة: هل يخلل لحيته في الغسل؟
قال جمهور العلماء: مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حزم([25])،
لا يلزمه تخليلها وإنما يستحب، قلت: هذا محلُّه إذا كان الماء يصل إلى البشرة وإلا
فيجب تخليلها لإيصال الماء إليها، والأحوط على كل حال أن يخلل لحيته لعموم قول
عائشة: «فيخلل بها أصول شعره».
8، 9- يفيض الماء على سائر جسده، بادئًا بشقه الأيمن ثم الأيسر.
وإفاضة الماء على الجسد ثابتة في جميع الأحاديث الواصفة لغسله صلى الله
عليه وسلم.
وأما التيامن، فلحديث عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه
التيمُّن في تنعُّله وترجُّله وطهوره وفي شأنه كله»([26]).
فائدتان:
الأولى: الإفاضة على سائر الجسد تكون مرة واحدة: وهذا واضح من سياق حديثي
عائشة وميمونة، ففيهما التثليث في غسل اليدين والرأس وأما سائر الجسد فقالت عائشة:
«ثم يفيض على جسده كله» وقالت ميمونة: «ثم أفاض على جسده» قال ابن بطال([27]):
لأنه لم يقيد بعدد، فحمل على أقل ما يسمى، وهو المرة الواحدة لأن الأصل عدم
الزيادة عليها» اهـ.
قلت: وهذا ظاهر مذهب أحمد وأصحاب مالك واختاره شيخ الإسلام، والجمهور على
استحباب التثليث.
الثانية: حكم دلك أعضاء الغسل([28]):
اختلف العلماء: هل يشترط في الغسل إمرار اليد على جميع الجسد، أم يكفي فيها
إفاضة الماء على جميع الجسد وإن لم يمرر يديه على بدنه؟ وهي مسألة لغوية: هل يتحقق
الغسل بإفاضة الماء أم لا يتحقق إلا بالدلك على الشيء؟
فذهب جمهور العلماء –خلافًا لمالك والمزني من الشافعية- إلى أن الدلك لا
يجب، بل يستحب في الغسل، فلو صب الإنسان على نفسه الماء على جميع جسده فقد أدى ما
أوجب الله عليه، وكذلك لو غطس في الماء فأصاب الماء جميع جسده.
وأدلة الفريقين في هذه المسألة هي عين الأدلة التي تقدمت في حكم المضمضة
والاستنشاق.
والظاهر أن الدلك مستحب وليس واجبًا.
ويقوي هذا المذهب –مع حديث أم سلمة- حديث عمران بن حصين في قصة المزادتين
وفيه: (... وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماء، قال: «اذهب
فأفرغه عليك»)([29]).
وعلى هذا فلو وقف الإنسان تحت «الدش» ووصل الماء إلى جميع البدن فقد صح
غُسله مع النية.
غسل المرأة من الجنابة:
صفة غسل المرأة من الجنابة كغسل الرجل تمامًا.
ولا يلزم المرأة –إذا كان لها ضفيرة- أن تنقض شعرها (تحل ضفائرها) لكن
عليها أن توصل الماء إلى أصول شعرها.
لحديث ميمونة قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل
الجنابة؟ قال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء،
فتطهرين»([30]).
وعن عائشة قالت: «كنا نغتسل وعلينا الضماد([31])
ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحلاَّت ومُحرمات»([32]).
وقد أنكرت عائشة على عبد الله بن عمرو أَمْرَه للنساء بنقض رؤوسهن عند
الغسل([33]).
غُسل المرأة من الحيض والنفاس([34]):
1- استعمال الصابون ونحوه من المنظفات مع الماء: لحديث عائشة أن أسماء سألت
النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض، فقال: «تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر،
فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب
عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسَّكة فتطهر بها» فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: «سبحان
الله تطهرين بها» فقالت عائشة –كأنها تخفي ذلك-: تتبعين بها أثر الدم([35]).
2- أن تحلَّ ضفائرها حتى يصل الماء إلى أصول الشعر: لقوله صلى الله عليه
وسلم في الحديث السابق «ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها...
» وهو دليل على أنه لا يكتفي فيه بمجرد إفاضة الماء كغسل الجنابة، لا سيما وفي
الحديث نفسه أنها سألته عن غسل الجنابة فقال: «ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ
شؤون رأسها» ولم يذكر الدلك الشديد ففرَّق بين غسل الجنابة والحيض.
وقد اختلف العلماء في حكم نقض الضفائر في غسل المحيض: فذهب الشافعي ومالك
وأبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب([36])
وحجتهم:
1- أن الحديث ليس صريحًا في إيجاب نقض الضفيرة.
2- أن حديث عائشة الذي في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «فأدركني
يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «دعي عُمرتك وانقضي
رأسك وامتشطي وأهلي بالحج... » ([37])
قالوا: هذا غسل للإحرام وليس غسلاً للحيض فلا يصلح دليلاً.
3- وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها –وكانت حائضًا-: «انقضي
شعرك واغتسلي»([38])
قالوا: هذا الحديث يُرَدُّ إلى الحديث السابق فهو حديث واحد، ومن ثم أعلوا لفظة
«واغتسلي» وحملوه على غسل الإحرام.
4- إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو أمره للنساء بنقض رؤوسهن في الغسل.
بينما ذهب الإمام أحمد والحسن وطاووس إلى أن نقض المرأة ضفائرها في غسل
المحيض واجب للأحاديث السابقة، وكأنه الأرجح في المسألة كما حققه العلامة ابن
القيم –رحمه الله-([39])
وردَّ على اعتراض الجمهور بما يأتي:
1- أما قولهم في حديث عائشة في حجِّها: إنه كان في الإحرام فصحيح، لكن غسل
الحيض آكد الأغسال وقد أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يأمر به في سواه
من زيادة التطهر والمبالغة فيه فأمرها بنقضه –وهو غير رافع لحدث الحيض- تنبيهًا
على وجوب نقضه إذا كان رافعًا للحدث بطريق الأولى.
2- وأما حديثها أنه قال لها وهي حائض: «انقضي شعرك واغتسلي».
فكونه غير حديث الحج وارد جدًّا لا سيما ورجال السند من المكثرين.
3- وأما إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو، إنما كان لأمره للنساء بنقض
رؤوسهن في غسل الجنابة بلا شك، فقد قالت: «يا عجبًا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا
اغتسلن أن ينقض رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول
الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد... » ([40]).
وإنما كانت تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من الجنابة التي يشتركان فيها لا
من الحيض!! وعلى هذا فيجب على المرأة أن تحل ضفائرها في غسل المحيض والنفاس خاصة، وهو
الأحوط والله أعلم.
3- أن تتبع أثر الدم بقطعة عليها مسك أو نحوه:
فيستحب أن تستعمل قطعة قماش أو قطن عليها شيء من المسك وتدخلها في فرجها
بعد الاغتسال، وكذلك تطيب جميع المواضع التي أصابها الدم من بدنها، وذلك لتطييب
المحل من الرائحة الكريهة، وهذا ثابت في حديث عائشة المتقدم.
ويرخص للمرأة أن تفعل هذا حتى وهي في فترة الإحداد على زوجها أو ميتها
لحديث أم عطية فيما تمنع منه الحادَّة: «... ولا نتطيب ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا
ثوب عصب، وقد رخصَّ لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كُسْثِ
أظفار... » ([41]).
وسيأتي هذا في موضعه من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
تنشيف الأعضاء بعد الغسل:
تقدم في حديث ميمونة في صفة غُسل النبي صلى الله عليه وسلم: «فناولته ثوبًا
(وفي رواية: المنديل) فلم يأخذه وهو ينفض يديه»([42])
وقد استُدل بهذا على كراهة التنشيف بعد الغسل ولا حجة فيه لأمور([43]):
1- أنها واقعة حالة يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر
آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان مستعجلاً أو غير
ذلك.
2- أن في الحديث دليلاً على أنه صلى الله عليه وسلم كان من عادته التنشيف، ولولا
ذلك لم تأته بالمنديل.
3- نفض الماء بيده يدل على عدم الكراهة في التنشيف لأن كلاًّ منهما إزالة.
فالحاصل: أنه لا بأس بالتنشيف بعد الغسل، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق