الجمعة، 2 فبراير 2018

قصة نبي الله زكريا عليه السلام

قال الله تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [سورة الأنبياء]، وقال
تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [سورة الأنعام]. أنظر: الإسلامُ دِينُ جَمِيع الأنبياءِ

نسب نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام

قيل: هو زكريا بن دان بن مسلم بن صدوق إلى أن يصل نسبه إلى سليمان بن داود الذي يتصل نسبه بـ يهوذا بن يعقوب، فهو من أنبياء بني إسرائيل، وقد ورد في الحديث الشريف أنه كان نجارًا، ويقال: زكريا بالقصر، ويقال: زكرياء بالمد.

عدد المرات التي ذكر فيها نبي الله زكريا في القرءان الكريم

ذكر اسم زكريا في القرءان الكريم ثماني مرات، وذكرت قصته مع شيء من التفصيل في سورة ءال عمران وسورة مريم.

مقدمة في رسالة نبي الله زكريا عليه السلام

بعث الله تعالى زكريا عليه الصلاة والسلام رسولًا إلى بني إسرائيل، فقام عليه السلام يدعو قومه إلى دين الله الإسلام وعبادة الله وحده ويخوفهم عذابه في وقت اشتد فيه الفسق والفجور وانتشرت فيهم المفاسد والمنكرات، وتسلط فيه على الحكم ملوك فسقةٌ ظلمة جبابرة يعيثون في الأرض فسادًا ويفعلون الموبقات والجرائم ولا يراعون حرمة لنبيهم، وكان هؤلاء الملوك قد تسلطوا على الصالحين والأتقياء والأنبياء حتى سفكوا دماءهم، وكان أعظمهم فتكًا وإجرامًا الملك “هيرودس” حاكم فلسطين الذي أمر بقتل يحيى بن زكريا إرضاءً لرغبة عشيقته كما سيأتي في قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام.
لقي زكريا عليه السلام من بني إسرائيل وحكامهم وناله من قومه الأذى الكثير، وتوالت عليه الأهوال العظام والشدائد الثقال فصبر عليه السلام الصبر الجميل حتى وهن العظم منه وضعف وخار واشتعل الشيب في رأسه. وقد كان زكريا قبل أن يكرمه الله بالرسالة ويختاره لإنقاذ بني إسرائيل من الشقاوة والضلال من كبار الصالحين الربانيين الذين لهم شركة في خدمة الهيكل، ثم نبأه الله تعالى وجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، وكان عمران والد مريم إمامهم وسيدهم.
يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه زكريا: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)﴾ [سورة مريم].

كفالة نبي الله زكريا لمريم أم نبي الله عيسى عليهم السلام

كان نبي الله زكريا عليه السلام متزوجًا بإيشاع أخت مريم وهذا قول الجمهور، وقيل زوج خالتها إيشاع والله أعلم.
وكانت حنة زوجة عمران من الصالحات العابدات قد كبِرت وعجزت ولم تلد ولدًا، فبينما هي في ظل شجرة إذ أبصرت طائرًا يطعم فرخًا له، فاشتهت الولد ودعت الله تعالى أن يهبها ولدًا، ونذرت إن رزقها الله تعالى ولدًا أن تجعله من سَدَنة بيت المقدس وخدمه، وحررت ما في بطنها ولم تكن تعلم ما هو، وكان النذر المحرر عندهم هو أن يجعل الولد لله يقوم بخدمة المسجد ولا يبرح منه حتى يبلغ الحلم فإذا بلغ خيّر، فإن أحب أن يقيم فيه أقام وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء.
ثم مات عمران زوج حنة وهي حامل بمريم عليها السلام، فلما وضعت حملها إذا هو أنثى، يقول الله تعالى إخبارًا عن أم مريم حنة قالت: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)﴾ [سورة ءال عمران]، قيل: هذا من تمام اعتذارها، ومعناه لا تصلح الأنثى لما يصلح له الذكر من خدمته المسجد والإقامة فيه لما يلحق الأنثى من الحيض والنفاس.
وعندما ولدت”حنة”زوجة عمران مريم عليها السلام لفّتها في خرقة وحملتها وانطلقت بها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار العلماء أبناء هارون، وكانوا يلون من بيت المقدس ما يلي بنو شيبة من الكعبة المشرفة وقالت لهم: “دونكم هذه المنذورة” فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وسيدهم عمران الذي كان من علماء بني إسرائيل الصالحين وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم إلى المسجد لخدمته، فقال زكريا عليه السلام وكان نبيهم يومئذ: أنا أحق بها لأن خالتها عندي، وذلك أن الخالة كما ورد في الحديث بمنزلة الأم، فأبوا وطلبوا الاقتراع عليها وقالوا: نطرحُ أقلامنا في النهر الجار قيل هو نهر الأردن فمن صعد قلمه فوق الماء فهو أحق بها، فذهبوا إلى ذلك النهر وألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم، فأخذها زكريا عليه السلام وكفلها وضمنها إلى خالتها “أم يحيى” واسترضع لها حتى كبرت ووضعها في غرفة في المسجد لا يرقى إليها إلا بسلم ولا يصعد إليها غيره، وكان يغلق عليها الباب ومعه المفتاح لا يأمن عليه أحدًا، وكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله لتكون مع خالتها “أم يحيى”، وقد كان نبي الله زكريا عليه السلام يرى من عجائب قدرة الله تعالى من الكرامات في حفظ هذه السيدة الطاهرة العفيفة ما يبهر العقول، يقول الله سبحانه: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)﴾[سورة ءال عمران].
كان نبي الله زكريا عليه السلام إذا دخل على مريم عليها السلام في المحراب وهو معبدها الذي تعبد فيه الله تعالى وهو سيد المجالس وأشرفها في المسجد يجد عندها من الرزق وهو الفاكهة ما لا يوجد مثله في البلد أو عند سائر الناس، فقد كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وهذه من الكرامات التي يُكرم الله تعالى بها أولياءه الأولياء والوليّات.
وقد كانت السيدة الجليلة مريم عليها السلام من الصالحات العابدات تقوم بالعبادة ليلها ونهارها، حتى صارت يُضرب بها المثل بالعبادة والطاعة في بني إسرائيل، ولقد اشتهرت هذه السيدة الطاهرة العفيفة بما ظهر عليها من الأحوال الكريمة والصفات الشريفة.

دعاء نبي الله زكريا عليه السلام ربه وسؤاله الولد في حال كبره

كان نبي الله زكريا عليه السلام قد تقدمت به السن وانتشر الشيب في رأسه وبلغ من الكبر عتيًا، وكانت امرأته عاقرًا لا تلد، فلما رأى من ءايات الله الباهرات عاين هذه الآية والكرامة العجيبة من رزق الله تعالى لمريم أم عيسى عليهما السلام الفاكهة في غير حينها، هنالك رغب في الولد على الكِبر، فطلب من ربه أن يرزقه غلامًا تقيًا يرثه في العلم والنبوة ويعلم الناس الخير، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّـهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾[سورة ءال عمران].
وقال تعالى إخبارًا عنه أيضًا: ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)﴾ [سورة مريم]، وقيل: المراد بـ”الموالي” العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله تعالى وطاعته.
﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾، قيل: أي يرثني في العلم والنبوة والحكم في بني إسرائيل، يعني كما كان ءاباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب، وليس المراد هاهنا وراثة المال.
وبعدما دعا زكريا عليه السلام ربه أن يرزقه ولدًا صالحًا تقيًا بشره الله تبارك وتعالى بواسطة الملائكة وهو قائم في محراب المسجد يصلي لله تعالى “بيحيى” نبيًا من الصالحين، قال الله عز وجل: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾سورة ءال عمران، وقال تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ قيل: أي لم يكن قبله من تَسمى بهذا الاسم.
ولما بُشِّر نبي الله زكريا عليه السلام بالغلام وبتحقيق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد له وليس على وجه الشك في قدرة الله تعالى على ذلك، فالأنبياء كلهم عارفون بالله تعالى ويعلمون يقينًا أن الله عز وجل على كل شيء قدير، قال الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه زكريا: ﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [سورة مريم]، يعني نحول العظم، والمعنى أنه قد كبر وعتا أي عسا عظمه ونحل، وقد قيل: إن زكريا عليه السلام كان عمره ءانذاك تسعًا وتسعين سنة وكان عمر زوجته ثمانيًا وتسعين سنة وكانت عاقرًا لا تلد، وهكذا أجيب زكريا عليه الصلاة والسلام وقال له الملك الذي يوحي إليه بأمر الله ما أخبر الله به في قوله: ﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [سورة مريم].
أي أن إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها هيّن يسير وسهل على الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير.
ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه قال تعالى: ﴿ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ أي خلقتك ولم تكن شيئًا مذكورًا أفلا يوجد منك ولد وقد كنت شيئًا مذكورًا، جلّ الله الخالق الذي هو على كل شيء قدير.
ولما بشَّر الملكُ زكريا عليه السلام “بيحيى” عليه السلام نبيًا من الصالحين طلب من الله جل جلاله أن يجعل له علامة على وجود الحمل من امرأته بهذا الولد المُبشر به، قال الله تعالى إخبارًا عن نبيه زكريا عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ [سورة مريم].
فاستجاب الله تبارك وتعالى سؤاله وجعل علامة وجود الحمل أن لا يكلم الناس ثلاث ليال إلا رمزًا من غير علة ولا خرس، فقد كان يكلم الناس بيده وبالإشارة من غير علة ولا خرس ولا مرض ولا ءافة، فإذا أراد عليه السلام أن يذكر الله انطلق لسانه بمشيئة الله وقدرته الذي ينطق من يشاء.
وخرج نبي الله زكريا وخرج نبي الله زكريا عليه السلام على قومه من محرابه مسرورًا بالبشارة التي بشّره الله تبارك وتعالى بها بواسطة الملك جبريل عليه السلام، قال تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [سورة مريم]، وقيل: الوحي ههنا هو الأمر الخفي إما بكتابة أو بإشارة، وقيل: إن سيدنا زكريا عليه السلام خرج إلى قومه ورمز إليهم وأشار إليهم ءامرًا بالصلاة بكرة وعشيًا.
وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن عبده زكريا عليه السلام حين طلب منه أن يهبه ولدًا صالحًا وليًا نبيًا يحكم في بني إسرائيل أنه استجاب له قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (٩٠)﴾ [سورة الأنبياء].

وفاة نبي الله زكريا عليه السلام

مات نبي الله زكريا عليه السلام قتلاً فقد قتله اليهود المجرمون، وقيل في سبب قتله: إنه لما شاع الخبر في بني إسرائيل أن مريم عليها السلام حامل اتهمها بعض الزنادقة بيوسف النجار الذي كان يتعبّد معها في المسجد، واتهمها ءاخرون بزكريا عليه السلام لذلك عزموا على قتله، فأمسكوا به ثم نشروه بالمنشار، وقتل عليه السلام ظلمًا بأيدي اليهود المجرمين ومات شهيدًا صلى الله عليه وسلم.
وقيل في سبب قتله قولٌ ءاخر وهو أنه لما قُتل ابنه نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام بأمر الملك الظالم حاكم فلسطين “هيرودس”، أرسل هذا الملك في طلب أبيه زكريا عليه السلام فاستخفى عليه السلام منهم، فدخل بستانًا ومر بشجرة عند بيت المقدس فنادته الشجرة بمشيئة الله: هلُمَّ إليّ يا نبي الله، فلما أتاها عليه السلام انشقت بقدرة الله ومشيئته فدخلها فانطبقت عليه وبقي عليه السلام في وسطها، فأتى عدو الله إبليس اللعين فأخذ هُدْبَ رداء زكريا عليه السلام فأخرجه من الشجرة ليصدقوه إذا أخبرهم، ثم لقي القوم الذين خرجوا في طلب زكريا عليه السلام وكان متشكلًا لهم بصورة رجل فقال لهم: ما تريدون؟ فقالوا: نلتمس زكريا، فقال لهم: إنه سحَر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها، فقالوا له: لا نصدقك! قال لهم: فإنّ لي علامة تصدقونني بها، فأراهم طرف ردائه فأخذوا الفؤوس وقطعوا الشجرة وشقوها بالمنشار فقتل نبي الله زكريا فيها ومات شهيدًا، وقد سلط الله تبارك وتعالى عليهم أخبث أهل الأرض فانتقم منهم، والله عزيز ذو انتقام.
وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم عن إجرام اليهود وقتلهم الأنبياء قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ (٨٨)﴾ [سورة البقرة].
وقال الله تعالى إخبارًا عن هؤلاء اليهود الكفرة قتلة الأنبياء: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّـهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥)﴾[سورة النساء].
Post a Comment