كتاب صحيح فقه السنة
ثانيًا: الإقامة
تعريفها: تقدم أن الإقامة: إعلام
بالقيام إلى الصلاة، بألفاظ مأثورة على صفة مخصوصة.
صفة الإقامة:
الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في
صفة الإقامة كيفيتان:
الأولى: إحدى عشرة جملة: (الله أكبر
الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي
على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا
الله).
وهذه الكيفية هي الواردة في حديث عبد
الله بن زيد الذي تقدم في الأذان، وعليها يُحمل ما ثبت عن أنس قال: «أُمر بلال أن
يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة»([1]).
لأن بلالاً إنما كان يؤذن على ما
علَّمه عبد الله بن زيد، وعلى هذا جماهير أهل العلم من السلف والخلف.
الثانية: سبع عشرة جملة: (الله أكبر
أربعًا، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، حي على
الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، قد قامت الصلاة مرتين، الله أكبر الله أكبر،
لا إله إلا الله).
وهذه الكيفية ثابتة في حديث أبي محذورة
المتقدم في الأذان.
ومن ألزم نفسه –في الأذان- بحديث ابن
زيد لزمه أن يلتزم في الإقامة بالكيفية الأولى، ومن ألزمها بحديث أبي محذورة لزمه
الثانية، ومن رأى التخيير فهو كذلك في الإقامة، وهو الأَوْلى، والله أعلم.
هل يلزم أن يقيم من أذَّن؟
الأَوْلى أن يقيم من أذَّن، لأن بلالاً
رضي الله عنه كان يتولى الأذان والإقامة –كما سيأتي- وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم،
ولو أذَّن رجل وأقام آخر فهو جائز، وأما حديث زيد الصدائي مرفوعًا: «يقيم أخو
الصداء، فإن من أذَّن فهو يقيم»([2])
فلا يصح وكذلك حديث عبد الله بن زيد أنه أقام بعد أن أذَّن بلال([3])
ضعيف.
هل يردد خلف من يُقيم؟
يُشرع لمن سمع الإقامة أن يقول مثلما
يقول المقيم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم النداء، فقولوا مثلما
يقول المؤذن»([4])
والإقامة نداء وأذان، كما قال صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة»([5])
يعني: الأذان والإقامة.
وقيل: لا يشرع الإجابة إلا في الأذان،
قلت: والأمل أرجح والأمر واسع.
ماذا يقول إذا قال: قد قامت الصلاة، قد
قامت الصلاة؟
السنة أن يقول كما سمع (قد قامت
الصلاة، قد قامت الصلاة) لعموم الحديث المتقدم، وأما ما يُروى من أنه يقول:
«أقامها الله وأدامها»([6])
فلا يثبت الحديث فيه.
متى يقيم الصلاة؟
1- الأصل أن لا يقيم إلا إذا رأى
الإمام، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: «كان بلال يؤذِّن إذا دحضت، فلا يقيم
حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حتى يراه»([7]).
2- ويشرع أحيانًا أن يقيم قبل أن يخرج
الإمام، إذا رآه من بعيد أو علم بقرب خروجه كما في حديث أبي هريرة «أن الصلاة كانت
تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مصافهَّم قبل أن يقوم النبي صلى
الله عليه وسلم مقامه»([8]).
متى يقوم الناس للصلاة؟
1- إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد،
فالسنة ألا يقوموا حتى يروه، أقام المؤذن أو لم يقم، وهذا قول الجمهور، لحديث أبي
قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى
تروني»([9]).
2- إذا كان الإمام معهم في المسجد:
فذهب الشافعي والأكثرون أنهم لا يقومون إلا بعد الفراغ من الإقامة، وقال مالك: إذا
اخذ في الإقامة، وقال أحم: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وقال أبو حنيفة:
يقومون إذا قال: حي على الصلاة([10]).
قلت: والذي يظهر لي أنهم يقومون إذا
رأوا الإمام قد قام، فإن قيام الإمام إلى مقامه في معنى خروجه على المصلين، وقد
قال صلى الله عليه وسلم: «فلا تقوموا حتى تروني» والله أعلم.
تنبيه: رأى بعض الفضلاء المعاصرين أنه
لا يشرع الإقامة للصلاة باستعمال مكبِّر الصوت وإسماع من في خارج المسجد!! وعزا
هذا القول إلى العلامة الألباني، رحمه الله.
قلت: لعل مستند هذا القول أن المقصود
من الإقامة الإعلام بالدخول في الصلاة والإحرام بها، وليس الإعلام للصلاة والتهيؤ
لها والدعاء إليها كما في الأذان، ومع هذا فليس هناك ما يمنع من إسماع الإقامة لمن
في الخارج، بل قد ثبت عن ابن عمر: «أنه قد سمع الإقامة وهو بالبقيع، فأسرع إلى
المسجد»([11]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق